المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموت مرة ثانية ...



السراب
03-06-2008, 02:19 AM
الموت مرة ثانية !

اهتزت الروح من عليائها ودنت. اقتربت, واقتربت, وخالطت عالم الطين, يختلج الطين وينتفض .. الأشياء في حقيقتها كتل يابسة عجفاء لا معنى لها في جوهرها إلاّ كونها أشياء, وعالم الطين يرتعش الآن ويهتز انه شئ من الأشياء ويبحث في المكان عن موقع, أهو هيئة للتشيؤ أم أن الروح تفرض عليه هيئة جديدة من هيئات التحوّل ؟ يلوب الطين بلا كلل, ولو شاء لسأل, لكنه كالصادي الذي يبحث عن ماء .. رميم شفتين باليتين ولسان نشّفه الصدى والزمن والقهر ينهض من وهدة العفاء ويحلقان مع أشلاء مجتمعة في سماء الضريح المعرّى .
مَنْ ؟ أهو أنتِ؟ أننا مشتاقون إليك, أين منا كل هذا الزمن؟ تُنَهْنهُ الروحُ الرميمَ المحلّق, وتتلبث وإياه في فضاء المنطقة. اللسان والشفتان حالة انسجام خاصة, والروح في رفيفها العلوي تكاد تهدأ من هذا الانسجام وتسكن, ويشرع اللسان بهزهزة الروح! قبل دهر من الزمن روّينا زرع الحياة بدمنا, ومكّنّا لهذا الزرع بأجسادنا .. نحن وهذي الأرض أجسادُ الآخرين . إني موزّع على الناس منذ دهر . ما أجمل هذه الصورة ! وأشرب قراح الماء ,وأنتم تشربونه صافياً بقراطيس الورد المنثالة من التاريخ..
السجن يُطّوقني من كل الجهات , حتى نوافذه الملوّنة تحول بيني وبين الله ... أين سماء الله؟ وفي لحظة ـ وأنا أشاهد ـ تنهدّ الجدران, وتُنقض الحجارة وتنداح من أمامي الأسواق ,وأُعرّى من ملابسي الطينية . ما الذي يجري؟ هذا الزمان قُلّبٌ ولا يستقر على حال قلت في نفسي: ربما أعادوني إلى الهواء الطلق من جديد, أنا ما عدتُ إلاّ ذكرى فيا ليتهم يدعوني أرتاح ... يا ليتهم يدعوني تحت الشمس أرحل معها وأمضي ما بقي لي من عمرٍ برزخيّ في هذه الفلاة الرحبة ! يا ليتهم.
يداهمه صدىً من بعيد: يا مسكين, ليتك تفعل شيئاً , إنك لا تغدر . تتشبث بالسماء جهد طاقتك وغيرك يشدّك للأرض . يا مسكين أنت تموت ثانية , أتدري؟
أطل برأسه من إحدى زوايا القبر, إنه في عالم آخر ويصرّ الآخرون على رفض هذه الحقيقة , السماء صافية والشمس بحديثها الأزلي تمرئي له الدنيا بأصباغها الفائحة, يلوذ بزوايا القبر ويتدثر بما بقي من رميم , والصدى يأتيه من كل مكان.
عواء الآلات يهزهز روحه , وينسف سطح السكينة .. العمال يغرزون أساساتٍ بعيدةَ الغور تتخللها أسياخٌ من حديد.. ماذا يريدون مني؟ ما كل هذه الزوبعة؟ ويرتفع عنه بناء جديد يحجب عنه الرؤية .. ما عادت السماء مرئية, ولا الشمس تعدّ أيامها أمامي .. ظلام دامس يخنقني . الصدى: هذا زمان غير زمانك, فاقبع في هذه الرحلة السوداء إلى يوم الدين. انتفضتُ مصعوقاً: ألهذا الحد يصل الرخص بالناس؟ الصدى: إذا كان الأمر كما ترى, فهذا الزمان يُستغل فيه كل شئ, حتى عظام الموتى أمثالك .
تهتز الروح من اهتزازات الحفر وكأنها تحرّض على المقاومة .. وماذا لو قاومت؟ الصدى: كيف تقاوم وأنت أسير الجهات وحبيس هذا الزمان, ألا ترى فضاءً جديداً قد أطبق عليك, فكيف تقاوم؟ ستقاوم,إذاً, داخل أغلالك,الكثيرة .. وسيظل الناس من حولك يرقصون حبورا على أوتار روحك ..
وما العمل, إذاً ؟
الصدى: انظر واحكم .
الضريح كتلة ظلام متماسكة, لا نجوم ولا هواء, إنه يختنق .
الروح تحوم, ورميمي حبات هباء حائمة في سماء الحُلْكة أنا امشاجُ تاريخ.. أنا سطرٌ تائه فيه .. لا, لا, لا أنا لستُ هذا الرميم.. اسحب خلاياي من الحلكة وانتفض .. لا , لا هذا الضريح لكم .. ارقصوا حولهما شاء لكم الرقص .. لن أموت ثانية ..
يتفطّر السطح الساكن وتغادره الملوسة وأنا على أنقاضه طائر محلّق في سماء الروح .. من بين الهلام المترجرج أعانق برزخي واختلط بالسماوات .. الصدى : سيظل هذا الضريح لك حتى وان اخترقت أقطار السماوات والأرض .. اضحك, وما ضحكت قبل ذلك: أنا برئ منه, ارقصوا حوله إلى يوم الدين الناس مازالوا يتحدثون عن الشق الذي أصاب الجدار الجنوبي للضريح ولم يلتئم بتاتاً, فصنعوا ضريحا على الضريح, فانشق الضريح الجديد, فصنعوا ضريحا ثالثا فانشق أيضاً .. هم الآن يكتبون تاريخ اللحظة من بين هذه الشقوق .. الريح حولهم تأخذ كل شئ, وهم لا يقاومون, انهم يسجلون تاريخ الشق .. الريح تقتلهم واحداً تلو الواحد وهم لا يعوون .. انهم سدنة الضريح .. وأنا شاهدٌ عليكم . الصدى : الحياة مستمرةَ وضريحك اصبح قبائل من الأضرحة .. لا , هذه الأضرحة لكم وأنا فوقكم أغني, وهذه قصيدتي .... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

معاذ القرعان
03-06-2008, 02:22 AM
كلام رائع :)
واهلا وسهلا شرفت

العالي عالي
03-06-2008, 01:25 PM
مشكور سراب على المشاركة المميزة واهلا وسهلا فيك بالمنتدي

السراب
03-07-2008, 12:28 AM
اخواني معاذ والعالي عالي اشكركم

N_tarawneh
03-14-2008, 05:33 AM
الموت مرة ثانية !

اهتزت الروح من عليائها ودنت. اقتربت, واقتربت, وخالطت عالم الطين, يختلج الطين وينتفض .. الأشياء في حقيقتها كتل يابسة عجفاء لا معنى لها في جوهرها إلاّ كونها أشياء, وعالم الطين يرتعش الآن ويهتز انه شئ من الأشياء ويبحث في المكان عن موقع, أهو هيئة للتشيؤ أم أن الروح تفرض عليه هيئة جديدة من هيئات التحوّل ؟ يلوب الطين بلا كلل, ولو شاء لسأل, لكنه كالصادي الذي يبحث عن ماء .. رميم شفتين باليتين ولسان نشّفه الصدى والزمن والقهر ينهض من وهدة العفاء ويحلقان مع أشلاء مجتمعة في سماء الضريح المعرّى .
مَنْ ؟ أهو أنتِ؟ أننا مشتاقون إليك, أين منا كل هذا الزمن؟ تُنَهْنهُ الروحُ الرميمَ المحلّق, وتتلبث وإياه في فضاء المنطقة. اللسان والشفتان حالة انسجام خاصة, والروح في رفيفها العلوي تكاد تهدأ من هذا الانسجام وتسكن, ويشرع اللسان بهزهزة الروح! قبل دهر من الزمن روّينا زرع الحياة بدمنا, ومكّنّا لهذا الزرع بأجسادنا .. نحن وهذي الأرض أجسادُ الآخرين . إني موزّع على الناس منذ دهر . ما أجمل هذه الصورة ! وأشرب قراح الماء ,وأنتم تشربونه صافياً بقراطيس الورد المنثالة من التاريخ..
السجن يُطّوقني من كل الجهات , حتى نوافذه الملوّنة تحول بيني وبين الله ... أين سماء الله؟ وفي لحظة ـ وأنا أشاهد ـ تنهدّ الجدران, وتُنقض الحجارة وتنداح من أمامي الأسواق ,وأُعرّى من ملابسي الطينية . ما الذي يجري؟ هذا الزمان قُلّبٌ ولا يستقر على حال قلت في نفسي: ربما أعادوني إلى الهواء الطلق من جديد, أنا ما عدتُ إلاّ ذكرى فيا ليتهم يدعوني أرتاح ... يا ليتهم يدعوني تحت الشمس أرحل معها وأمضي ما بقي لي من عمرٍ برزخيّ في هذه الفلاة الرحبة ! يا ليتهم.
يداهمه صدىً من بعيد: يا مسكين, ليتك تفعل شيئاً , إنك لا تغدر . تتشبث بالسماء جهد طاقتك وغيرك يشدّك للأرض . يا مسكين أنت تموت ثانية , أتدري؟
أطل برأسه من إحدى زوايا القبر, إنه في عالم آخر ويصرّ الآخرون على رفض هذه الحقيقة , السماء صافية والشمس بحديثها الأزلي تمرئي له الدنيا بأصباغها الفائحة, يلوذ بزوايا القبر ويتدثر بما بقي من رميم , والصدى يأتيه من كل مكان.
عواء الآلات يهزهز روحه , وينسف سطح السكينة .. العمال يغرزون أساساتٍ بعيدةَ الغور تتخللها أسياخٌ من حديد.. ماذا يريدون مني؟ ما كل هذه الزوبعة؟ ويرتفع عنه بناء جديد يحجب عنه الرؤية .. ما عادت السماء مرئية, ولا الشمس تعدّ أيامها أمامي .. ظلام دامس يخنقني . الصدى: هذا زمان غير زمانك, فاقبع في هذه الرحلة السوداء إلى يوم الدين. انتفضتُ مصعوقاً: ألهذا الحد يصل الرخص بالناس؟ الصدى: إذا كان الأمر كما ترى, فهذا الزمان يُستغل فيه كل شئ, حتى عظام الموتى أمثالك .
تهتز الروح من اهتزازات الحفر وكأنها تحرّض على المقاومة .. وماذا لو قاومت؟ الصدى: كيف تقاوم وأنت أسير الجهات وحبيس هذا الزمان, ألا ترى فضاءً جديداً قد أطبق عليك, فكيف تقاوم؟ ستقاوم,إذاً, داخل أغلالك,الكثيرة .. وسيظل الناس من حولك يرقصون حبورا على أوتار روحك ..
وما العمل, إذاً ؟
الصدى: انظر واحكم .
الضريح كتلة ظلام متماسكة, لا نجوم ولا هواء, إنه يختنق .
الروح تحوم, ورميمي حبات هباء حائمة في سماء الحُلْكة أنا امشاجُ تاريخ.. أنا سطرٌ تائه فيه .. لا, لا, لا أنا لستُ هذا الرميم.. اسحب خلاياي من الحلكة وانتفض .. لا , لا هذا الضريح لكم .. ارقصوا حولهما شاء لكم الرقص .. لن أموت ثانية ..
يتفطّر السطح الساكن وتغادره الملوسة وأنا على أنقاضه طائر محلّق في سماء الروح .. من بين الهلام المترجرج أعانق برزخي واختلط بالسماوات .. الصدى : سيظل هذا الضريح لك حتى وان اخترقت أقطار السماوات والأرض .. اضحك, وما ضحكت قبل ذلك: أنا برئ منه, ارقصوا حوله إلى يوم الدين الناس مازالوا يتحدثون عن الشق الذي أصاب الجدار الجنوبي للضريح ولم يلتئم بتاتاً, فصنعوا ضريحا على الضريح, فانشق الضريح الجديد, فصنعوا ضريحا ثالثا فانشق أيضاً .. هم الآن يكتبون تاريخ اللحظة من بين هذه الشقوق .. الريح حولهم تأخذ كل شئ, وهم لا يقاومون, انهم يسجلون تاريخ الشق .. الريح تقتلهم واحداً تلو الواحد وهم لا يعوون .. انهم سدنة الضريح .. وأنا شاهدٌ عليكم . الصدى : الحياة مستمرةَ وضريحك اصبح قبائل من الأضرحة .. لا , هذه الأضرحة لكم وأنا فوقكم أغني, وهذه قصيدتي .... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!



*

*

*