المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنتظرون ...!!! ذكريات ...!!!



N_tarawneh
05-15-2008, 05:51 AM
. . . كان ثالثهم يجر قدمه اليمنى جرا ً هينا ً, وبالكاد تحمل العصا ذات العُقد جسده المتهالك من الرصيف المحاذي للمسجد إلى الرصيف المقابل ، في هذه اللحظة التي اصبح فيها الشارع ضاجا ً بالسيارات اعتلى صديقاه حسن وسلامة المصطبة الملاصقة للبنك وهما يتضاحكان وقد كفـّت عصاتاهما عن العبث بالأوراق والحصى المتناثرة أمامهما, في الحين ذاته كان أبو سلمان, وهي كنيته التي يعرف بها, ولم يكن متزوجا ً يوما ما, يلهث وهو يقترب منهما وقد احمّر وجهه وبدا متعبا ً .

ناداه حسن:- أبا سلمان , يا أبا سلمان, رِجْلٌ في الشرق ورجل في الغرب , آه ٍ يا أبا سلمان الأيام تكشف العُوَار, والله شخت يا رَجُل . فأجابه أبا سلمان بصوت بائس: العقبى لك, هَذي حال الدنيا يا ابن الآوادم .
اقترب أبو سلمان من المصطبة , وأدار مؤخرته الذاوية وبدا يرفعها إلى حافة المصطبة بمعونة عصاه حتى استوى عليها, ونفث من صدره نفسا ً طويلا ً والتفت إلى صديقيه مبتسما ً, وهو يسحب عصاه ليركنها إلى جنبه ويقول :- كلنا سنصل مادام الإنسان حيا ً, وهو لا يكف عن محاولة الوصول ... الوصول إلى أي شئ , وحين يغيب ... فيسكت أبو سلمان , وكأنه كشف عما بنفسه من خوف الغياب .

كان الظل يسحب نشوته ويغشّيها الأصدقاء الثلاثة ويهدهدهم بنسمات تعابثهم من أمامهم ومن خلفهم وتتغلغل بين جفونهم الرقية المتثاقلة ... الناس في هذه اللحظة يمرّون مسرعين حاملين معهم أشياءهم , عيون الأصدقاء الثلاثة كعيون الدوري تتابع من يمر دون تعليق , وقد أدمنوا هذه الجلسة بُعيدَ صلاة العصر انتظارا ً لصلاة المغرب ثم صلاة العشاء .

أعمارهم متقاربة, أكبرهم أبو سلمان وقد نيّف على الثمانين , أصغرهم سلامة. في ذلك اليوم كانوا يلبسون ملابس متشابهة, كالحة إلى حد ما, وتميّزهم حطـّاتهم البيض ووجوههم الرقيقة ولحاهم القصيرة , وعاداتهم الاريبة عندما يتخلصوا من أحذيتهم حينما يُدلـّون سيقانهم من المصطبة فتقع الأحذية على الشارع , ومع الحركة الدائمة تتشمّر سراويلهم قليلا ً فقليلا ً لتبدو السيقان مثل أعواد القصّيب لولا شعرات نابتة بين طيّات الجلد المتهدل.

هز سلامة عصاه ثم ركز رأسها المدبب على الشارع وقال :- أتتذكرون ...!!!؟؟؟
فالتفت إليه صديقاه بحركة بطيئة , وبادر أبو سلمان قائلا ً :- وماذا نتذكر ...!!!؟؟؟
حياتنا يا سلامة كلها ذكريات , نحن الثلاثة أصبحنا شيئا ً من الماضي, واقرب إلى النسيان لولا هذا الرصيف الذي يألفنا ونألفه ، ووافقه حسن :- لعلك يا سلامه تريد أن تذكرنا بشيء عنـّك ...!!!؟؟؟
قال سلامه وهو يهزّ رأسه هزات متواصلة :- أي والله . وغرز نظراته في الأرض وكأنه يحاول استدراج الذكرى من مطاوي الشارع, ثم رفع رأسه ليواجه سؤال صديقيه فيجيب :- قبل ثلاثين سنة لم يكن أمامنا الا الجامع وكان أمامنا أبا اسحق الضرير الذي كنا نجرّه معنا إلى هذا المكان لينظمّ إلى عِقد لعبة السيّجة ... أتتذكرون ...!!!؟؟؟

تنهد أبو سلمان وحرّك أصابع قدميه وكان نفسه تراوده بالفرار إلى تلك الأيام الخوالي وقال :- نتذكر يا سلامة نتذكر جيدا ً, وهلّ تتذكرون القطة المقطوعة الذنب التي كانت تخرج من جهة الوادي فتقترب منا وتلعب في أحذيتنا ثم تسرق إحدى فرداتها ... ويضحكون ، ويقول حسن بنبرة حزن بادية :- وأين هو الوادي ...!!!؟؟؟ آه يا جماعة, وأين القطة وأين أهلها ...!!!؟؟؟ يضحكون ثم يسكتون فجأة ...!!!

نادى المنادي لصلاة المغرب فجرّوا أنفسهم إلى المسجد وبعد برهة عادوا إلى المصطبة ثانية , وأخذتهم الذكريات إلى بواطن سحيقة حتى حانت صلاة العشاء, هذه الصلوات فواصل لا بد منها في هذا النص المدهش , وهم سادرون في لجّة أحداثه إلى ما لا نهاية , وعادوا إلى المصطبة وجلسوا , وعادة ما يفترقون بعد صلاة العشاء إلا انهم في هذه الأمسية الصيفية الهادئة مالوا إلى الجلوس, وطابت لهم حلاوة الذكريات المنثالة والتي أخذتهم بعيدا ً جدا ً , وما كان من أبى سلمان إلا أن مدد جسده الضعيف فوق المصطبة وقال لهم :- لا تنسوني يا جماعة , ثم غفا حسن وراح يهلـّوس ويقول كلاما مختلطا ً , وقال سلامة في نفسه :- ولماذا لا أغفو مثل جماعتي, فليس هناك ما يستعجلنا ... ومدد جسده , وغطى رأسه بطرف حطته, وأخذ َ يُشّخر .

كانوا رائعين بهيئاتهم الساكنة وكأنهم بقية من أهل الكهف , تلامس النسمات الناعمة أصابع أقدامهم , وتنسف الشعرات البيضاء الشاردة من حواجبهم, ومرّ كثيرون ولم يأبهوا لهم . منطق المدن قاس ٍ, إذ تتحول المدينة إلى ماكنة غير رحيمة , لا تكف عن الحركة وهي إزاء ذلك تفرم كل ما يعرض بين يديها, ويا ويل من لا يحّترص ...!!!

بدأت الرِجْل تنقطع من شوارع البلدة وتناقصت أضواء المحلات, ولم تعد السيارات تَلحّ على مواقع اليقظة داخل رؤوس الأصدقاء. كانوا يشخّرون بإيقاع جميل لو تنبه إليه عازف حاذق لأبدع منه مقطوعة موسيقية جميلة , الشارع الآن خال ٍ إلا من الأصدقاء و ارتال ٍ من القطط تلاحق بعضها البعض, الساعة تجاوزت منتصف الليل , نسمات ندية تندس تحت ملابسهم, الصمت سيد المكان .

أبو سلمان ينقلب على ظهره بحركة بطيئة لا تكاد تـُرى, وتقع يده فوق المصطبة , وينهض على حين غره مثل شاب كامل الصحة , وكان ينهر و يبرطم ويلتمس عصاه فيلتقطها ويضرب بها ضربات متوالية وهو يصيح :- فار, فار , الفار ويركض مع الشارع ، يصحو صديقاه ويتناولان عصاياتهما ويركضان مثل أبى سلمان وهما يصيحان :- الفار , الفار. كان الثلاثة يركضون مثل دُحروجة الغزل حتى اجتمعوا عند زاوية من الشارع المفضي إلى منازلهم , فيقف أبو سلمان وهو يلتقط أنفاسه فيجلس من فوره , ويصل صديقاه والعرق ينزف منهما وتتراص أجسادهم المهتزة , ويقول حسن لاهثا ً:- ماذا يا أبا سلمان ...!!!؟؟؟ ويردد أبو سلمان بصوت واه ٍ :- رأيت في المنام فارا ً يندس في سروالي, ويلحقه هرٌّ, وما أن نهرته حتى رهب القط وعضّ الفار حذائي وهرب به , فلحقته , ولم انتبه لكلما ... وأين هو حذائي ...!!!؟؟؟ نظر إلى رجليه , وفعل صديقاه مثله وراحوا يضحكون كالمُجّان ...!!!

أصبحوا حفاة ... ضحك سلامه وقال مازحا ً:- والله ِ سهرة ما مرت أبدا ً, اختلط فيها الحلم باليقظة والذكرى بالحاضر ، قام حسن وتبعه سلامه ثم أبو سلمان ورجعوا إلى المصطبة ، كانت أحذيتهم في مواضعها ... فتمددوا من جديد , وقال أحدهم الفجر قريب .

لم ينم الأصدقاء مطلقا ً, وظلوا ينتظرون يوما آخر ...!!!

mohammad qasaimeh
05-15-2008, 05:57 AM
شكلها حلوه كثير هاي الكلمات
بس انا هسا علي دراسه كثير
لي عوده اخرى

Abdallah Qasaimeh
05-15-2008, 05:32 PM
والله انك رهيب يا نادر

خيالك واسع جدا

رح اقترح على وزارة التربية انها تحط القة بكتاب العربي بدرس القصة القصيرة:db465236ff:

N_tarawneh
05-15-2008, 07:24 PM
شكلها حلوه كثير هاي الكلمات
بس انا هسا علي دراسه كثير
لي عوده اخرى

مشكور يا حموه ...

بإنتظار العودة يا صديقي ...

Abdallah Qasaimeh
05-15-2008, 11:37 PM
مشكور يا حموه ...

بإنتظار العودة يا صديقي ...

ليش مش معبرني؟؟؟؟؟:eh_s(2): :eh_s(2): :eh_s(2):

N_tarawneh
05-16-2008, 12:34 AM
مشكور يا حموه ...

بإنتظار العودة يا صديقي ...

له يا حموده ، الله يسامحك ...

انت الخير والبركة يا صديقي ...

بس انت كنت راس طابور ...:db465236ff:

N_tarawneh
05-18-2008, 05:23 AM
ليش مش معبرني؟؟؟؟؟:eh_s(2): :eh_s(2): :eh_s(2):

أهلين يا عبوده ...

شرفت يا صديقي ...

انت الخير والبركة ...

Abdallah Qasaimeh
05-18-2008, 11:48 PM
أهلين يا عبوده ...

شرفت يا صديقي ...

انت الخير والبركة ...

الله يسلمك

صدق انك نادر يا نادر

N_tarawneh
05-19-2008, 04:30 AM
الله يسلمك

صدق انك نادر يا نادر

شرفت يا عبوده ...

أتمنى أن يكون النص قد راق لكم يا صديقي ...