بنت الشام
06-13-2008, 11:34 PM
سيقان "مروة" و قفا "روبي" و "واوا" هيفاء .. كل ما لدي لأورثك اياه يا ولدي ..
في وسط الزحام .. تلوث الهواء والضجيج ، سمعت ذلك الصوت الذي أعادني الى ماض جميل قريب ( دائما الماضي الجميل قريب ) ، صوت بدا مألوفاً شاباً دافئاً يذكرني بتلك الحقبة التي ما زالت تلح عليّ بتفاصيلها ، ذكريات لا تبدو كما الذكريات تأبى ان تودعني وتصبح من الماضي ..
كان صوت هيام الحموي ، يتخلله مقاطع من اغاني فيروز ، وسمعت بالاسم لاول مرة في حياتي "محمد محسن".
ونجحت الحموي يومها ان تعيدني الى تلك الأغنية البديعة "سيد الهوى قمري" وكم احسست بالفرح والسعادة والفخر ( الذي افتقدناه كثيرا ) ، عندما علمت بان ملحن سوري هو من لحن هذه الاغنية للسيدة فيروز..
عذرا لجهلي ، فانا لم اعلم بان هناك من لحن لفيروز غير الرحابنة ، وكيف لي ان اعرف ؟ لولا ان تخرج هذه المذيعة الجميلة من الماضي القريب ويكون لي الحظ في ان اسمع ذاك التقديم.
وكأني خرجت من الزحام وعدت الى شوارع دمشق الهادئة ، عندما كان الزحام "لذيذاً" والاختلاط بالناس له طعم خاص مثل اغاني فيروز ..
عادت بنا المذيعة الى لقاء اجرته مع الملحن الراحل في العام 1992 (على ما اذكر) ، لا اعرف لماذا فرحت عندما سمعت صوته ، وكأني اعرفه ، اكثر من اعرفه .. وعذرا مرة اخرى على سذاجتي .. لقد حزنت في تلك اللحظة لوفاته ..
حزنت مرة اخرى عندما قرأت الخبر عن حضور "قليل" لتأبين الراحل واثنين من الفنانين السوريين ، الملحن شاكر بريخان ، والفنانة هالة شوكت ..
وتمنيت لو كنت في حفل التأبين ذاك الذي حضره العشرات ، على بعد ايام ، امتار ، من الساحة التي اجتمع فيها الآلوف لحضور حفل فني ضخم لـ " انريكي اغليسيس " ( رحم الله والده ) تقاضى فيه 900 الف دولار على ساعة غناء ، ودفع الحاضرون على الواقف 10 آلاف ليرة سورية ليشاهدوا .. كثيرا من "العصّورة " وقليلا من الغناء ..
في تفاصيل اللقاء التي ادارته الحموي في التسعينيات ، ونقلته لنا مرة اخرى عبر اذاعة محلية في الـ 2007 ، كان محمد محسن يروي بتلقائية (تشبه ألحانه) تفاصيل اللقاء الذي جمعه بعاصي الرحباني زوج فيروز ، حيث عرض عليه الاخير تلحين تلك الاغنية لفيروز" ..
وجاء في سياق اللقاء ، مقاطع لرائعة اخرى هي "لو تعلمين " و التي أيضاً فوجئت بأنها من ألحانه ..
هناك في الحياة احداث صغيرة ، لحظات يمتلك الانسان فيها القدرة على اختزال سنوات طويلة وجعلها قريبة منه ، في متناول يده ، يحدق فيها ، يخترقها ، يعود اليها ، يعيشها ، ويخرج مرة اخرى الى واقعه .. ويمر هذا الشريط خلال طيف ابتسامة تظهر ، ترتسم ، تختفي وتتحول سريعا الى المرارة ..
ايام قلائل من ايام السنة تلك التي لا اسمع فيها فيروز ، اغنية في الصباح مسرحية في الليل ، واستمتع بتلك اللغة البسيطة العميقة التي تستقر مباشرة في الروح تحاكي الهواجس وتختلط بالهموم ..
وفكرت ، ماذا سنورث للأجيال القادمة .. اعني تلك الاشياء الصغيرة ذات القيمة الكبيرة التي طالما حملناها معنا منذ الصغر ..
اليوم ليس لدينا الا سيقان "ماريا " وقفا "روبي" وتأوهات "مروة" ..
منذ ايام ، اخرجت امي وهي "تنكش" في بعض "الكراكيب" ، ابريق شاي عتيق .. ورفعته امام وجهي ..
حدقت فيه ، اخترقته .. تراءت لي تلك اللحظات التي كان اخي الوحيد يجلس متربعا في غرفتنا المشتركة ، وعلى رأسه قبعة قطنية صفراء ( يعتمرها حتى لا تطير المعلومات ) يحضر لفحص الطب وتدخل والدتي وبيدها الابريق ..
استرجعت طعم الشاي " الثقيل" .. ستة سنوات كان الابريق يلازمنا .. واخي .. وامي .. ومروحة قديمة نتقاسمها في الصيف ومدفأة صغيرة تدفئنا في الشتاء ..
غاب اخي بعد ان انهى دراسته وسافر الى اميركا وغاب معه الابريق من يومها ..
ولكنه عاد في لحظة كما عادت الحموي مع صوت فيروز ..
وعشت تلك اللحظات بذات الطعم وذات القوة كما عشتها طوال تلك الفترة ..
واغنية اخرى عادت بي عاشقا من جديد بعدما كنت احسب العشق سرابا ..
وتذكرت فتاتي .. ومن لا يتذكر فتاته ، يمسك يدها .. ويتجول معها في شارع عتيق في المدينة ، في القرية ، في البستان .. عندما يسمع فيروز تغني ..
جاءت معذبتي في غيهب الغسق
كأنها الكوكب الذري في الأفق
فقلت نورتني يا خير زائرة
أما خشيت من الحراس في الطرق
فجاوبتني و دمع العين يسبقه
من يركب البحر لا يخشى من الغرق
كان اللقاء صعباً .. لكنه جميل .. محمل بالمعاني مثل كلمات الاشعار العتيقة ..
لم يعد في يومنا حراس .. ولا طريق .. واصبح اللعب على المكشوف
حتى انه لم يعد هناك أي شيء "مخبّا " ..
عدا " الواوا " ..
الذي منع من ظهوره التعذر ..
فيما تلقينا دعوات علنية ومتكررة لـ "نبوسه" ..
و"يصح" الواوا .. وليس هو " بالصحيح"..
منقول
نضال معلوف
في وسط الزحام .. تلوث الهواء والضجيج ، سمعت ذلك الصوت الذي أعادني الى ماض جميل قريب ( دائما الماضي الجميل قريب ) ، صوت بدا مألوفاً شاباً دافئاً يذكرني بتلك الحقبة التي ما زالت تلح عليّ بتفاصيلها ، ذكريات لا تبدو كما الذكريات تأبى ان تودعني وتصبح من الماضي ..
كان صوت هيام الحموي ، يتخلله مقاطع من اغاني فيروز ، وسمعت بالاسم لاول مرة في حياتي "محمد محسن".
ونجحت الحموي يومها ان تعيدني الى تلك الأغنية البديعة "سيد الهوى قمري" وكم احسست بالفرح والسعادة والفخر ( الذي افتقدناه كثيرا ) ، عندما علمت بان ملحن سوري هو من لحن هذه الاغنية للسيدة فيروز..
عذرا لجهلي ، فانا لم اعلم بان هناك من لحن لفيروز غير الرحابنة ، وكيف لي ان اعرف ؟ لولا ان تخرج هذه المذيعة الجميلة من الماضي القريب ويكون لي الحظ في ان اسمع ذاك التقديم.
وكأني خرجت من الزحام وعدت الى شوارع دمشق الهادئة ، عندما كان الزحام "لذيذاً" والاختلاط بالناس له طعم خاص مثل اغاني فيروز ..
عادت بنا المذيعة الى لقاء اجرته مع الملحن الراحل في العام 1992 (على ما اذكر) ، لا اعرف لماذا فرحت عندما سمعت صوته ، وكأني اعرفه ، اكثر من اعرفه .. وعذرا مرة اخرى على سذاجتي .. لقد حزنت في تلك اللحظة لوفاته ..
حزنت مرة اخرى عندما قرأت الخبر عن حضور "قليل" لتأبين الراحل واثنين من الفنانين السوريين ، الملحن شاكر بريخان ، والفنانة هالة شوكت ..
وتمنيت لو كنت في حفل التأبين ذاك الذي حضره العشرات ، على بعد ايام ، امتار ، من الساحة التي اجتمع فيها الآلوف لحضور حفل فني ضخم لـ " انريكي اغليسيس " ( رحم الله والده ) تقاضى فيه 900 الف دولار على ساعة غناء ، ودفع الحاضرون على الواقف 10 آلاف ليرة سورية ليشاهدوا .. كثيرا من "العصّورة " وقليلا من الغناء ..
في تفاصيل اللقاء التي ادارته الحموي في التسعينيات ، ونقلته لنا مرة اخرى عبر اذاعة محلية في الـ 2007 ، كان محمد محسن يروي بتلقائية (تشبه ألحانه) تفاصيل اللقاء الذي جمعه بعاصي الرحباني زوج فيروز ، حيث عرض عليه الاخير تلحين تلك الاغنية لفيروز" ..
وجاء في سياق اللقاء ، مقاطع لرائعة اخرى هي "لو تعلمين " و التي أيضاً فوجئت بأنها من ألحانه ..
هناك في الحياة احداث صغيرة ، لحظات يمتلك الانسان فيها القدرة على اختزال سنوات طويلة وجعلها قريبة منه ، في متناول يده ، يحدق فيها ، يخترقها ، يعود اليها ، يعيشها ، ويخرج مرة اخرى الى واقعه .. ويمر هذا الشريط خلال طيف ابتسامة تظهر ، ترتسم ، تختفي وتتحول سريعا الى المرارة ..
ايام قلائل من ايام السنة تلك التي لا اسمع فيها فيروز ، اغنية في الصباح مسرحية في الليل ، واستمتع بتلك اللغة البسيطة العميقة التي تستقر مباشرة في الروح تحاكي الهواجس وتختلط بالهموم ..
وفكرت ، ماذا سنورث للأجيال القادمة .. اعني تلك الاشياء الصغيرة ذات القيمة الكبيرة التي طالما حملناها معنا منذ الصغر ..
اليوم ليس لدينا الا سيقان "ماريا " وقفا "روبي" وتأوهات "مروة" ..
منذ ايام ، اخرجت امي وهي "تنكش" في بعض "الكراكيب" ، ابريق شاي عتيق .. ورفعته امام وجهي ..
حدقت فيه ، اخترقته .. تراءت لي تلك اللحظات التي كان اخي الوحيد يجلس متربعا في غرفتنا المشتركة ، وعلى رأسه قبعة قطنية صفراء ( يعتمرها حتى لا تطير المعلومات ) يحضر لفحص الطب وتدخل والدتي وبيدها الابريق ..
استرجعت طعم الشاي " الثقيل" .. ستة سنوات كان الابريق يلازمنا .. واخي .. وامي .. ومروحة قديمة نتقاسمها في الصيف ومدفأة صغيرة تدفئنا في الشتاء ..
غاب اخي بعد ان انهى دراسته وسافر الى اميركا وغاب معه الابريق من يومها ..
ولكنه عاد في لحظة كما عادت الحموي مع صوت فيروز ..
وعشت تلك اللحظات بذات الطعم وذات القوة كما عشتها طوال تلك الفترة ..
واغنية اخرى عادت بي عاشقا من جديد بعدما كنت احسب العشق سرابا ..
وتذكرت فتاتي .. ومن لا يتذكر فتاته ، يمسك يدها .. ويتجول معها في شارع عتيق في المدينة ، في القرية ، في البستان .. عندما يسمع فيروز تغني ..
جاءت معذبتي في غيهب الغسق
كأنها الكوكب الذري في الأفق
فقلت نورتني يا خير زائرة
أما خشيت من الحراس في الطرق
فجاوبتني و دمع العين يسبقه
من يركب البحر لا يخشى من الغرق
كان اللقاء صعباً .. لكنه جميل .. محمل بالمعاني مثل كلمات الاشعار العتيقة ..
لم يعد في يومنا حراس .. ولا طريق .. واصبح اللعب على المكشوف
حتى انه لم يعد هناك أي شيء "مخبّا " ..
عدا " الواوا " ..
الذي منع من ظهوره التعذر ..
فيما تلقينا دعوات علنية ومتكررة لـ "نبوسه" ..
و"يصح" الواوا .. وليس هو " بالصحيح"..
منقول
نضال معلوف