سيطرة على الجريمة وصرامة فـي (المخدرات) وانفتاح (السجون) وحذر (السير)




قبل نحو عام وجه القائد الأعلى للقوات المسلحة مديرية الأمن العام في رسالة ملكية إلى تركيز جهودها على أربع قضايا رئيسية هي: مكافحة المخدرات والحد من حوادث السير ومكافحة الجريمة ومعالجة مشكلة السجون ، حيث باشرت الاستراتيجية الأمنية وضع التوجيه السامي إزاء ابرز التحديات الأمنية موضع التنفيذ، فكانت استراتيجية واضحة في عناوينها ، تذهب إلى المشكلة مباشرة دون تردد ، تؤمن وفقا لمنفذيها بمبدأ التدرجية في النتائج.
قيادة جهاز الأمن العام، وضعت في الاعتبار ان نجاح الاستراتيجية الأمنية لا يكون إلا بجعل كافة مرتبات القوة الشرطيةضباط وضباط صف وأفراد شركاء حقيقيين في عملية تنفيذ الإستراتيجية، ومن هنا شهدت مديرية الأمن سياسة واسعة من التواصل الميداني المستمر مع كافة الوحدات الشرطية ،تارة معلنة، وفي أحيان كثيرة سرية، حيث تتفاجأ مرتبات الحدود أحيانا ، وأحيانا أخرى السجون ، وفي حالات كان يدخل مدير الامن مراكز أمنية قبيل الفجر فيتحدث مع شرطة من رتبة عريف ورقيب فيستمع لمشاكلهم ويتحدث عن المحفزات التي تجعل من رجل الشرطة يقوم بواجبه على أكمل وجه دون تقصير او تقاعس.
ولعل ابرز ما ميز الإستراتيجية الأمنية بحسب متابعين أنها كانت جريئة في مواجهة الواقع الأمني، بمعنى أنها لم تكن تصغر من حجم مشكلة او قضية وهي في الواقع متمددة ويلمسها كل مواطن ، وكانت الاستراتيجية في كل مفصل من مفاصلها تشير الى المعطيات الحالية لحجم كل مشكلة ثم تبدأ بإعطاء جرعة من البرامج الإصلاحية وصولا للنسبة المئوية المستهدفة من الحل يتبعها وقفة مراجعة وتقييم ربع سنوية وهكذا كانت آليات عمل الاستراتيجية الأمنية في ملفات الجريمة والمخدرات والسجون وحوادث السير.

الجريمة
في هذا الملف الاول من ملفات الاسترايجية الامنية ، وبالرغم من الارتفاع النسبي في أرقام الجريمة والتي تحكمها تاثيرات اوضاع المنطقة غير المستقرة سياسيا وعسكريا بالاضافة لعوامل اقتصادية(الفقر والبطالة) والتزايد السكاني وظروف اجتماعية ،الا ان الاجهزة الامنية حافظت على معدلات عالية في نسبة اكتشاف الجريمة بلغت 85%.
ومع انقضاء عام 2008،حققت اجهزة الشرطة نسبة هي من اعلى نسب الاستكشاف في دول العالم،وهي نسبة تؤشر الى وجود نظام امني حيوي وسليم يتابع المتغيرات المحلية والاقليمية والعالمية في عالم الجريمة ويؤكد في ذات الوقت السيطرة الامنية على الجريمة رغم ارتفاع ارقامها.
الاجهزة الامنية التي تتبع الجرائم بمختلف انماطها، تعي تماما وهي تضع استراتيجيتها في مكافحة الجريمة ان الأردن يتوسط منطقة ساخنة بالصراعات المختلفة لطالما عانت من مخرجات الحروب والأزمات السياسية التي وقعت فيها، الأمر الذي اتجه بأنظار كل باحث عن الأمن والاستقرار إلى التوجه للأردن للعيش والاستثمار، لما يتمتع به الاردن من استقرار اجتماعي ناتج عن الاستقرار في نظامه السياسي.
وفي هذا السياق ،فان الأرقام والإحصاءات الرسمية الصادرة عن الإدارات المتخصصة في مكافحة الجريمة وتعقب الخارجين على القانون في مديرية الأمن العام خلال الشهور الـ (11) الاولى من عام 2008 تشير الى ان مديرية الامن العام تمكنت خلال ذات الفترة من اكتشاف 8848 جريمة سرقة من اصل 10585وبنسبة اكتشاف بلغت 84% فيما تمكنت فرق الامن العام من اكتشاف 106 جرائم قتل من اصل 117 وبنسبة اكتشاف بلغت 95% ،كما تمكنت من اكتشاف 702 جريمة سلب من اصل 775 وبنسبة 90% فيما تم اكتشاف 914جريمة احتيال من اصل 1004وبنسبة اكتشاف بلغت 91%.
مراقبون، يرون ان التحدي المستمر الذي يقف في وجه الاجهزة الامنية هو الحفاظ على هذه النسب في السيطرة على الجريمة الجنائية واستمرار العمل على خفضها وابقائها في حدود المقبول والمعقول قياسا لحجم بلد مثل الاردن في امكاناته وموارده وعدد سكانه.

المخدرات
اما مكافحة المخدرات، فكانت واحدة من أهم محاور التوجيه الملكي في رسالته لقيادة جهاز الأمن العام أواخر كانون الأول من العام 2007، فكانت أولوية أمنية على راس اولويات الاستراتيجية الأمنية الشاملة التي حققت إنجازات ملحوظة، يمكن رصدها بعدة مؤشرات واقعية ، تثبت نجاح جهاز الأمن العام ومرتباته في التعاطي مع هذه المشكلة.
مديرية الأمن العام باشرت تنفيذ أحدث استراتيجية أمنية ووقائية لشل نشاطات مهربي المخدرات ومروجيها، خاصة في ظل مصارحة مدير الأمن العام اللواء مازن تركي القاضي من أن الأردن بدأ يعاني من مشكلة ترويج هذه الآفة.
فالأرقام الرسمية الصادرة عن إدارة مكافحة المخدرات تشير إلى ان الأمن العام ضبط من الحشيش خلال عام 2006 نحو 809 كغم و381 كغم عام 2007 و831 كغم عام 2008. فيما تم ضبط خلال الفترات ذاتها من مادة الكوكايين وعلى التوالي نحو (خمسة كغم2006 و سبعة كغم 2007 وخمسة كغم خلال 2008).
أما كميات الهيروين المضبوطة عن ذات الفترات، فقد تم ضبط 131 كغم خلال 2006 و43 كغم 2007 ونحو 23 كغم خلال 2008، فيما تم ضبط نحو 11 مليون حبة مخدرة عام 2006 ومثلها عام 2007 و9 مليون حبة مخدرة خلال العام الحالي).
مراقبون ، أكدوا ان هذه الأرقام السابقة تعطينا مؤشرات على أن هذه الأرقام المضبوطة تشمل كل مناطق المملكة، وهو ما يؤكد رواية الأمن العام المستمرة بأنه لا توجد منطقة سوداء على رجل مكافحة المخدرات، بدليل ان الإدارة تقدم إلى العدالة والمحاكم المختصة مضبوطين من سكان مناطق مختلفة من الأردن.
الجانب الأخر،الذي تؤكده هذه الأرقام، هو ما يتصل بموضوع صناعة المخدرات، فالاستراتيجية الأمنية في هذا الجانب من السيطرة الحثيثة، لم تعط مجالا لان تشهد الساحة الأردنية أي شكل من أشكال زراعة المخدرات وبالتالي هي مؤشر على خلو الساحة المحلية من وجود أي مختبر لصناعة المخدرات.
ولعل احد أهم مؤشرات نجاح الاستراتيجية الأمنية في مكافحة المخدرات، بحسب تقارير الأمم المتحدة ورصدها لهذه الآفة في بلدان المنطقة، ان الأردن لم يسجل بأنه دولة من دول التعاطي بحسب تصنيفات الهيئات الدولية،بالرغم من ان مؤشرات مشكلة المخدرات وتعاطيها في بلدان مجاورة لنا رشحتها دوليا بأنهاهذه الدول المجاورة بأنها دولتعاطي.
ويرى متابعون، ان تصنيف الأردن على انه دولة لا تتعاطى المخدرات ما هو الا تأكيد على مدى فعالية البرامج الوقائية في السيطرة والوقاية من هذه الآفة التي تنفذها الأجهزة الأمنية.
وتتابع مؤشرات نجاح استراتيجية الامن العام في مكافحة المخدرات، بان نسبة ضبط الادارة لمختلف قضايا المخدرات وصلت الى اكثر من 85% بالجرم المشهود، بمعنى ان احد العاملين في الادارة يقوم باحد الادوار في عملية الضبط حتى تتحقق العدالة الحقيقية كون احكام المخدرات كبيرة .
الاستراتيجية ذاتها، لم تغفل وهي تحاصر هذه الافة امنيا ولوجستيا، الجانب الوقائي والتوعي،اذ عمدت الى تنفيذ حزمة من البرامج والخطط الوقائية تشمل مدارس المملكة وجامعاتها ومعاهدها والاندية الشبابية والرياضية ودور العبادة ومؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن ان هذه البرامج امتدت لتشمل حتى الموقوفين من تجار المخدرات في مراكز الاصلاح والتاهيل.

حوادث السير
اما الملف الثالث للاستراتيجية الامنية فكان حوادث السير، اذ ان قيادة جهاز الأمن العام، وضعت نصب عينيها الرسالة الملكية التي وجهها جلالته لمدير الامن العام ، وأشرت الرسالة الملكية فيما أشرت إليه الى موضوع حوادث السير باعتباره واحدا من ابرز واهم الملفات التي تستلزم وضعها على راس أجندة عمل قيادة هذا الجهاز.
ويرى متابع، ان الامن العام عزز وبنى على خطط امنية مرورية سابقة، وفعل من استراتيجيته الامنية في مجال السير والمرور بوقوفه بلغة الارقام على حجم هذه الظاهرة على الساحة المحلية، فعمد الى دمغ استراتيجيته بروح العصرنة والبسها غطاء تكنولوجيا متقدما، ووضع لها رؤية شمولية تواكب حجم المتغيرات والتحديات التي شهدها الاردن خلال السنوات الماضية، فاعتمد منهجية مؤسسية قائمة على التخطيط السليم والمبرمج ، وبنفس الوقت المكثف،لتعطي الاستراتيجية نتائجها المرجوة.
وعمليا، وبحسب الاحصاءات الرسمية المستقاة من الدوائر المرورية فان استراتيجية الامن العام سجلت انخفاضا كبيرا في نسبة حوادث السير والوفيات الناجمة عنها خلال الشهور العشرة الاولى من عام 2008 مقارنة بذات الفترة من العام المنصرم وبنسبة انخفاض بلغت30% في نسبة الوفيات.
ووفق الاحصائيات الرسمية بلغ مجموع الحوادث المرورية من بداية العام وحتى نهاية شهر تشرين الاول من هذا العام نحو 83 الفا و385 حادثا فيما كان مجموع الحوادث للعشرة اشهر الاولى من العام المنصرم نحو 93 الف حادث سير، بانخفاض مقداره نحو 9700 حادث،وهي تشكل ما نسبته 4ر10% من مجموع الحوادث.
فيما بلغ عدد الوفيات عن ذات الفترة 569 وفاة وهي اقل ب246 وفاة وبنسبة مقدارها 2ر30% من مجموع الوفيات التي بلغت الإصابات للفترة ذاتها نحو 11417 إصابة وبنقصان مقداره 6ر25% حيث بلغ مجموع الإصابات العام الماضي 15355 إصابة.
والخطة ذاتها شملت محاور رئيسية : التشريعات المرورية ، التوعية والتعليم المروري ، الرقابة المرورية ، استخدام الأساليب والتقنيات الحديثة في كافة مجالات العملية المرورية ، التنسيق مع كافة الجهات المعنية بالسلامة المرورية.

السجون
وفي ملف السجون،المفصل الأخير من الاستراتيجية الامنية، باشرت مديرية الأمن العام بوضع أحدث البرامج لتطوير مراكز الإصلاح والتأهيل ، وتنفيذ الخطط العصرية للنهوض بمستوى السجون الأردنية، بما يحافظ على حقوق نزلاء مراكز الإصلاح وتوفير كامل الرعاية لهم التزاما بالتشريعات الوطنية والمواثيق الدوليّة الحامية لحقوق الإنسان.
خطوات عديدة اتخذتها مديرية الأمن ضمن منهجية واضحة ومنفتحة في التعامل مع ملف مراكز الإصلاح والتأهيل وتحسين مستواها بما ينعكس إيجابا على سياسات الإصلاح والتأهيل حتى يلمس النزيل أثرها إيجابا بإخراجه مواطنا صالحا منتميا للبلد ويسهل إدماجه مع مجتمعه .
وهذه الخطط، تركز بصورة أساسية على عزل النزلاء المحكومين عن الموقوفين،وتم تخصيص ثلاثة مراكز إصلاح مقتصرة على المحكومين قضائيا فقط وهي مركز إصلاح وتأهيل سواقة ومركز الموقر ومركز أم اللولومنشية بني حسن.
ووفق الاستراتيجية فان مديرية الأمن شكلت لجنة خاصة لوضع تعليمات تتعلق بالمعاملة التشجيعية للنزلاء تحفيزا لهم على تحسين سلوكهم للإفراج عنهم وفق التعليمات التي تحددها اللجنة وذلك إعمالا لنص المادة 34 و35 من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل رقم 9 لسنة 2004 .
وأطلقت المديرية في خطوة غير مسبوقة في تاريخ السجون حوار شرعيا مع أصحاب الفكر التكفيري، في لفتة تنم عن ثقة الأجهزة الأمنية باجراءاتها وحرصها على مواطنيها وازالة أي لبس او انحراف يعترض مسارهم الفكري بسبب تضليل هنا او هناك.

مجال الاصلاح
وفي مجال الاصلاح، فان الاستراتيجية اطلقت سلسلة نشاطات ثقافية مختلفة ضمن موسم ثقافي مفتوح لاعطاء النزلاء محاضرات في الصحة العامة والنفسية والرعاية الاجتماعية والامراض السارية وحقوق الانسان والنزلاء ومرض الايدز ومكافحة المخدرات ومحاضرات اجتماعية عن الاسرة والطلاق والتاثيرات السلبية له، وسيكون تنفيذ هذه المحاضرات عن طريق الوحدات المعنية في الامن العام ووزارة الصحة والتنمية الاجتماعية ووزارة الاوقاف ودائرة قاضي القضاة والمجلس الاعلى لشؤون الاسرة وغيرها من المؤسسات.
مجال التاهيل
وفي مجال التاهيل، تم اعادة هيكلة المشاغل الحرفية في مراكز الاصلاح والتاهيل الثلاثةسواقة والموقر وام اللولو حيث تم ادخال مهن جديدة وخطوط انتاج جديدة تهدف بالاساس الى تشغيل النزلاء بمهن مفيدة وتدر عليهم دخلا وتؤهلهم للانخراط في حياة ما بعد السجن.
بالمحصلة، تمضي الاستراتيجية الامنية قدما لتبني على الانجازات المتراكمة وتصوغ احدث البرامج والخطط لوضع التوجيهات السامية موضع التنفيذ ، ونتائج الاستراتيجية بعد مضي عام على تنفذيها يمكن تلخيصها بانها مسيطرة تماما على الوضع الجرمي وحذرة بشدة في موضوع السير ومنفتحة بصورة عصرية على ملف السجون وتتعامل بصرامة وحزم في ملف المخدرات.


منقووول عن جريدة الرأي