ما يزال الكثير من الناس مخدوعين بالصورة البراقة التي تشكلت في أذهانهم عن طلاب الجامعات فغالبا ما يظنون أن الجامعة ليست إلا مؤسسة تعليمية من المستوى الرفيع فالطلبة يملكون الثروة الثقافية الراقية ينشدون العلم ليس لديهم وقت يضيعونه فإما أن تراهم في مدرج ما يحضرون محاضرة أو في إحدى المكتبات يبحرون في محيطات الأدب و العلم .
وإذا شاء القدر ورأيت احدهم في المقصف فلا بد انه يستريح من عناء الدراسة و التركيز أما مناقشاتهم فهي بناءة هادفة على مستوى عال من الثقافة ولكل منهم وجهات نظر خاصة و مبادئ وقيم محددة يسيرون بمقتضاها فقد حددوا أحلامهم و غاياتهم بدقة ورسموا طريقا واضحا للوصول إليها .
كما أنهم أذكياء جدا في توزيع وقتهم الثمين بين الدراسة الجادة و الهواية النافعة .
فهم يرفضون كل ماهو سخيف بدءا بثيابهم و انتهاء بتفكيرهم و قناعا تهم هذه الصورة الجميلة عن طلاب الجامعة المرصعة بذهب من الأمل و المستقبل المشرق سرعان ما يتبخر عند أول زيارة للجامعة وهذه الأوهام و الأكاذيب تذهب أدراج الرياح لتبدأ صورة جديدة بالوضوح شيئا فشيئا عندما ندخل الجامعة و للأسف سرعان ما ننصهر في بوتقة مجتمعها ففي الواقع أغلب الطلاب موزعين في الساحات يقضون ساعات بلا فائدة فترى احدهم محتارا مترددا أين يقضي وقته هل في المقصف أم على درج ما متسكعا يكلم هذا وذاك تجدهم يتناقشون و يتحدثون بصوت مرتفع و يضحكون ضحكات تتعدى على حرمة المكان الذي احتضنهم ليكونوا جيل علم وثقافة فإذا استرقت السمع و حاولت أن تعرف عن ماذا يتكلمون لأصابك الاشمئزاز ولخاب أملك بفرسان المستقبل فأهم مواضيعهم هي آخر صر عات الموضة و إذا اختلفوا في وجهات النظر فلا بد أنهم يتكلمون عن مغنٍ أو مغنية من الموجة الضاربة في هذه الأيام أو أنهم كثيرا ما يتكلمون عن بعضهم هذا فعل تلك قالت و إذا خابت خطا احدهم و دخل مدرجا ليحضر محاضرة ما لا يعرف عنوانها و اسم أستاذها و لا اسم المادة التي يدرسها فإنه يجلس و يلعب دور المهرج مع أصدقائه مطلقا كلماته الساخرة مستخفا بأستاذه و الطلبة و إذا أغلق فمه و استسلم للسكون المنتشر فإياك تحسبه ينتبه فلا بد انه انتقل إلى عالم آخر سارحا في أمر ما سابحا بخياله لابد أن ما يدور في رأسه أهم مما يقوله الأستاذ لعله يفكر أين سيقضي ليلته أو في أي مكان سيتناول طعام الغداء و عندما يخرج من المحاضرة فانه ينهال بالشتائم على الأستاذ لأنه لا يجيد الشرح و لا يفقه شيئا فيقرر أن لا يعيد تجربة الحضور و أن يقضي وقته في إحدى الحدائق مع إحداهن أو في المقصف مع جماعته أو شلته حسب لغة العصر .
فكل شاب منهم همه الأول مظهره و إطلالته و أن يكون متحدثا صاحب طرفة يجمع حوله أكبر قدر من المعجبات ليحسده أصدقاؤه على شعبيته و تقول له الفتيات ( شو جكل ) على حد تعبيرهن و الفتيات ليست بأفضل فتراهن يتمشين في ساحات الجامعة و كأنهن في إحدى الحفلات يرتدين ثيابا ليس لها علاقة بالجامعة لا من قريب و لا من بعيد همهن الأول شعرهن و ماكياجهن للفت نظر هذا و ذاك يتنافسن من ستكون الأجمل و من سترتدي آخر موضة حتى تكون ( كول ) على حسب تعبيرهن إضافة إلى أن طلاب الجامعة يبتدعون لغة جديدة ممزوجة من عربية ضعيفة و فرنسية و إنجليزية هذه هي الحقيقة التي لا نستطيع أن نصم الأذن عنها فمعظم طلاب الجامعات يسيرون مجيئا و ذاهبا لا يعرفون ما يريدون يعيشون اللحظة دون أن يفكروا أبعد من أنفهم يأتون الجامعة للدراسة إلا أنها فعليا تبقى آخر اهتماماتهم فليس لديهم غاية ولا هدف هم ذاتهم لا يعرفون ما يبغون و إلى أين المسير و لذلك فهم يتخرجون من جامعاتهم لا يفقهون شيئا من اختصاصاتهم و تتكلم مع احدهم فتجده سطحيا فارغا ليس لديهم القدرة على فتح موضوع واحد يناقش فيه سلبيا على كل صعيد فكيف لا و قد أضاع سنوات متسكعا في ساحات الجامعة و حدائقها مستمعا في إحدى المحاضرات فإذا سألت أحدهم ما رأيك بأحلام مستغانمي يقول لك أنا لا أحب صوتها ولا أستمع لها كثيرا بالطبع هذا لا ينطبق على كل الطلاب و كل الجامعات و الاختصاصات فهناك اختصاصات تفرض على الطلاب التزامهم ولا سيما العلمية لكن يريدون من وراء دراستهم و لماذا يأتون إلى الجامعات فقد أدركوا غايتهم و استطاعوا أن ينجو من جو الجامعة حتى في الجامعات الأدبية لا يزال هناك فسحة من الأمل فهناك طلاب رغم قلتهم نسبيا ما يزالون يعرفون ما المسموم بالثقافة الجامعية المعاصرة ثقافة ( new look ) ولكن كيف استطاعوا أن ينجوا لا بد أنهم لم يزوروا الجامعة من قبل .
مواقع النشر (المفضلة)