الحركة الطلابية الاردنية جزء من الحراك الاجتماعي/السياسي العام. والاحباطات والمعوقات التي واجهتها خلال مسيرتها الطويلة هي عينها التي واجهتها القوى الوطنية، لبسط سيطرة السلطة التامة عليها وإلغاء أية معارضة للالتحاق بالمنظومة الامبريالية/العولمية، بما يستتبع ذلك من إلغاء لدور الدولة الاجتماعي والاقتصادي، وتصفية القضية العربية الفلسطينية، وإلغاء نزعات التحرر الوطني والتنمية القومية المستقلة.
من خلال التحليل الموضوعي لتاريخ الحركة الطلابية الاردنية، يمكن ملاحظة ثلاثة معوقات متداخلة رئيسية، عملت على تحييد الحركة الطلابية وتنفيسها وإحباطها، وهذه المعوقات هي:

أولا: السلطة السياسية.
عملت السلطة بشكل كبير ومستمر على ضرب الحركة الطلابية الاردنية، واعاقة عملها وتفتيتها. فمنذ بداية الخمسينات رفضت الاجهزة الامنية اعطاء ترخيص لاجتماع الطلاب في مؤتمرهم الاول عام 1953، وحين سمحت به حاصرت مكان الاجتماع وضايقت المجتمعين، ولم تعترف به، فاضطر الى العمل السري. ومع اعلان الاحكام العرفية في 25/4/1957، انتهى المؤتمر باعتقال قياداته او ابعادها من البلاد. كما ادى اعتقال قيادات الاتحاد الوطني لطلبة الاردن عام 1979 الى اختفاء الاتحاد عمليا.
ولم توافق السلطة السياسية في اي مرحلة من مراحلها على قيام تنظيم نقابي طلابي جامع مستقل، بل عمدت إلى التضييق حتى ضمن الصيغ التفكيكية التي ابتدعتها. فمثلا حلت السلطة عام 74 "اتحاد طلبة الجامعة الأردنية" الذي أنشأته هي نفسها عام 72 لمحاصرة اتحادات طلبة قوى المقاومة بعد احداث 1970، وانشأت بدلا منه جمعيات طلابية " كانت أسوأ ما مر على التاريخ الطلابي قطعا، لأن الجمعيات شتتت العمل الطلابي في كل المؤسسات الجامعية."
وعمدت السلطة إلى الموافقة على الاتحادات الموقعية عام 1992 لإجهاض مبادرة عام 1990 لإنشاء الاتحاد العام. ثم عمدت الى فرض صيغة الصوت الواحد في الاتحادات الموقعية انعكاسا لتوجه السلطة العام القائم على تفتيت المجتمع الاردني الى جهات ومناطق وعشائر. وقامت إدارة الجامعة الأردنية عام 2000 بإصدار نظام يتمكن بموجبه رئيس الجامعة من تعيين نصف أعضاء الاتحاد الموقعي ومن بينهم الرئيس، وتبعتها في ذلك الجامعات الحكومية كلها.
إضافة إلى ما سبق، عمدت السلطة الى خلق ودعم تيار "حكومي" داخل الجامعات الاردنية وهو تجمع "وطن" الذي تأسس في 24 /11/1991 وهو تيار اقليمي ويؤيد معاهدة السلام الاردنية-الصهيونية.(1) كما انشأ طلبة من هذا التيار "نادي الصداقة والسلام" عام 1996 في الجامعة الأردنية بعد توقيع "معاهدة وادي عربة"، وهو ناد يهدف إلى "إيجاد قاعدة طلابية قادرة على الاحتكاك مع المنظمات المماثلة لدى الطرف "الاسرائيلي"".(2) وفي فترة سابقة هاجم أفراد من هذا التيار (قبل تبلوره بشكله المنظم الحالي) مظاهرات مؤيدة للانتفاضة الفلسطينية الأولى في جامعتي اليرموك والأردنية يومي 8 و10 /12/1988، مستعملين العصي والجنازير.(3) وقد ترسخ هذا التيار واخذ مواقع قيادية في الجمعيات الطلابية والاتحادات الموقعية بدعم من السلطة، وخصوصا بعد إقرار قانون الصوت الواحد في الجامعات الأردنية.
وإمعانا في التضييق على الحركة الطلابية والمشاركة الشبابية، انشات الجامعات في نهاية التسعينات مكاتب للأجهزة الامنية (الامن الوقائي والمخابرات) لإحكام الرقابة على الطلاب وتخويفهم، و هذا ما أكده مدير مكتب رئيس جامعة اليرموك لحملة ذبحتونا صيف 2007 .( تصريح صحفي لحملة ذبحتونا )


ثانيا: الواقع الاجتماعي/ الثقافي.
يتعرض الطفل العربي منذ ولادته لعملية تأطير واضطهاد خطيرة. فتعامل إدارات المدارس واساتذتها مع الطلبة، والعملية التربوية المدرسية برمتها، يتمحوران حول نظام عسكرتاري قاس (طقوس الطابور الصباحي، تمارين "استرح/ استعد" اليومية، الدخول المنتظم الى الصفوف، رتابة الدوام المدرسي، طقوس التفتيش على الاظافر والشعر، العقوبات البدنية والنفسية، الطبيعة "التلقينية" في عملية التدريس...الخ). واذا اضفنا الى ذلك وجود بيئة مماثلة (ربما اكثر تبلورا) في المنزل بحكم سلطة الاب او الام او كليهما، فان المواطن العربي اليافع يتعرض في اخطرمراحل تكوين وعيه الى عملية هدم تؤثر فيه بشكل اساسي في جميع مراحل اللاحقة.
كما ان عدم وجود دخل مستقل للطلبة والشباب بشكل عام، واعتمادهم شبه الكلي على اهلهم في السكن والاعالة المادية، عامل اضافي يسهل الضغط عليهم لثنيهم عن اي نشاط سياسي او نقابي.
ويمكن ملاحظة عدة عوامل اجتماعية اخرى تصب في السياق نفسه:
أ – سهولة ممارسة الادارة الجامعية للضغوط، مثل الانذار والفصل، وما يتبع ذلك من اعاقة لمسيرة الطلاب الدراسية وتحميلهم اعباء مادية .
ب – تراجع الثقافة الوطنية التقدمية امام الثقافة الاستلابية بشقيها الديني والاستهلاكي، وما يستتبع ذلك من تشتت للجهود الطلابية وعوقها من القيام بتغييرات جذرية.
ج – الانتكاسات السياسية المتلاحقة وخصوصا في العقد الاخير من القرن العشرين (حرب الخليج الثانية، احتلال العراق، استمرارعملية تصفية القضية الفلسطينية)، الامر الذي ولد احباطات هائلة لدى الشباب.
د – سيادة الثقافة التحذيرية من العمل العام، وخصوصا بضغط من الاهل، وضمن معادلة "الحذر من انعكاس النشاط السياسي على مستقبل الشاب" الذي يعيش في مجتمع يعاني ازمة بطالة حادة.
و- تراجع الاحزاب والقوى السياسية في المجتمع، بل وانقلابها الى حالة "ضد العمل الجماهيري" ضمن معادلاتها وتوازناتها مع السلطة السياسية.


ثالثا: القوى السياسية والمدنية (الأحزاب والنقابات وغيرهم).
لم تعمل القوى السياسية يوما من اجل الحركة الطلابية، ولم تعمل جديا لدفع الشباب الى العمل السياسي الحقيقي او المواقع القيادية، بل كانت دائما تستعمل الحركة الطلابية لإثبات وجودها على الساحة السياسية، او لجذب الكوادر، او لنشرفكرها السياسي او الأيديولوجي.
فبدلا من ان تقوم القوى السياسية المختلفة بالعمل مع الحركة الطلابية لايجاد اطارها الوطني الشامل، كان قرار المكتب السياسي هو صاحب الاولوية، لا المصلحة الطلابية. في هذا الصدد يقول هاني الحوراني، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة الاردن- جبهة النضال الطلابي بين اعوام 68-1970: "ان الجبهة الديمقراطية تبنت سياسة تحويل الاتحاد الى مؤسسة من مؤسساتها، ورفضت على الدوام فكرة توحيده مع القوى الاخرى او مع عناصر طلابية مستقلة بالشكل الذي يحوله الى مؤسسة طلابية نقابية، لأن ذلك يتعارض ببساطة مع اهدافها السياسية منه." ويلاحظ سامر خرينو(4) ان التيارات الطلابية البعثية "اخذت تتحرك وفقا لمواقف قواها السياسية والانظمة التي ترتبط بها، لا وفق حاجاتها الطلابية،" مضيفا ان الشيوعيين وجهوا نشاطات هيئات التمثيل الطلابي "لصالح خدمة وجودهم السياسي في الداخل والخارج".
كما عملت "القوى السياسية التي حازت تعاطف الجماهير من اجل الافادة من اندفاع الطلبة والشباب الراغبين في خدمة القضايا الوطنية لتقوم بتنظيمهم في صفوفها" فانخرط اغلبهم في البعث والشيوعي في الخمسينات وحتى منتصف الستينات، ثم في تنظيمات المقاومة حتى منتصف السبعينات، وفي التيار الاسلامي منذ بداية التسعينات. وهذا ليس سلبيا في حد ذاته، وانما السلبية هي ان يكون الجهد الحزبي في الحركة الطلابية موجها فقط من اجل جذب الكوادر، اذ يمثل هذا مؤشرا على نظرة الاحزاب الى الفئات الشبابية والطلابية "كمخزون عددي" او "مشاريع" – كما يحلو لبعض الاحزاب تسمية من هم في طور "التأهيل"!- مع ما تختزنه هذه النظرة من دونية.
ان فشل الحركة الطلابية قد يعزى في جزء منه الى القوى السياسية التي كانت على علاقة بها، والتي كانت تعرقل العمل لخلافات سياسية بينها، او لرغبتها في احتكار قيادة العمل الطلابي، او حتى لأسباب غير موضوعية ذات علاقة بالعناد السياسي. فمثلا:
* لم تفلح محاولات توحيد "الاتحاد العام لطلبة الاردن" مع "اتحاد الطلبة الاردني" نتيجة للخلافات حول التمثيل في الاتحاد العالمي، وحرص التيارين اللذان يسيطران على الاتحادين (البعث على الاتحاد العام، والشيوعي على اتحاد الطلبة) على الاستئثار بقيادة العمل الطلابي.
* بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961، تعرض قياديو الاتحاد البعثيون للمضايقة في مركز الاتحاد في القاهرة، ثم ابعدت القيادة المصرية قيادات الاتحاد الى دمشق عام 1963، فانقسم الاتحاد الى جزئين كل يدعي الشرعية: احدهما في دمشق (بعثي) والاخر في مصر (ناصري)، في حين استقلت فروع أخرى مثل فرع يوغوسلافيا عنهما.
* اكتظت الساحة الاردنية في فترة 68-1970 باتحادات طلابية شتتت العمل الطلابي، وكانت في الواقع افرازات لتنظيمات سياسية (فتح، الشعبية، الديوقراطية، البعث، الشيوعي ...الخ) اعطت نفسها صفة المنظمات النقابية.
* انفك الاتحاد العام لطلبة الاردن/فرع سوريا عن الاتحاد الرئيس بعد دخول القوات السورية الى لبنان عام 1976، واتخاذ الاتحاد الرئيس الذي يسيطر عليه البعثيون العراقيون قرارا بادانة التدخل.
* انفصل التنظيم الطلابي التابع للجبهة الديمقراطية عن الاتحاد العام عام 1977 وانضم لاتحاد الطلبة الأردني (شيوعي) وذلك بعد مقاطعة باقي التيارات السياسية للجبهة الديمقراطية عندما طرحت الحل المرحلي للقضية الفلسطينية.


أما في ما يتعلق بأخطاء التيار الإسلامي في تعاطيه مع الملف الطلابي والشبابي، فنورد ما يلي:
أولا - حظي المؤتمر العام لطلبة الأردن (1953) بدعم جميع القوى السياسية باستثناء الاخوان المسلمين الذين رفضوا الاعتراف به، ومارسوا حملة دعائية ضده.(5)
ثانيا - أجهضت الحركة الإسلامية مبادرة الوحدة الطلابية عام 1990، والمتمثلة في انشاء اتحاد عام لطلبة الأردن بعد ان سيطرت على اللجنة التحضيرية للاتحاد ومن ثم اتفقت مع ادارات الجامعات بعد سنتين على صيغة "الاتحادات الموقعية" المنفصلة بدلا من الاتحاد العام. هذا رغم ان الظرف كان يسمح بالتصعيد المباشر. فقد كان التحول الديمقراطي المزعوم في الاردن لا يزال في طوره الدعائي "المتسامح،" وما تزال آثار هبة نيسان حاضرة في الذاكرة، وكان الشارع الاردني في اقوى حالاته ابان فترة العدوان الامريكي الاول على العراق.
ثالثا - استمر الاسلاميون خلال التسعينات بقيادة الاتحادات الموقعية في كل الجامعات الحكومية في غياب اي قوى اخرى باستثناء التيار الحكومي الصاعد، فعتمواعلى قضية الاتحاد العام ودفعوا بها الى النسيان في الذاكرة الطلابية، بل انهم قاموا "باستغلالها كورقة رابحة في علاقتهم مع الجهات الحكومية، حيث لوحوا بحشد الطلبة وتثويرهم اذا ما تعرضوا لمضايقات، وكان ذلك على حساب القضية الطلابية وعلى حساب المصلحة الوطنية عموما."(6)
رابعا - طرحت القوى اليسارية مبادرة لإعادة إحياء الاتحاد العام منتصف سنة 2000، فانضم الإسلاميون إلى المبادرة الجديدة التي سميت "تحالف القوى الطلابية" الذي انفرط عقده في الثلث الأخير من ذلك العام بعد ان وصل النقاش إلى طريق مسدود حين طالب الإسلاميون بأغلبية في اللجنة التحضيرية مقابل أقلية لجميع القوى الأخرى.
اما بالنسبة الى النقابات المهنية في الاردن، فلم تسهم بجذرية في النضالات الطلابية او قضية الاتحاد العام لطلبة الاردن، بل قدمت دعما معنويا للحركة الطلابية. فمثلا: قامت النقابات بحملة ضد السلطة وادارة الجامعة الاردنية عام 1979 عندما فصلت هذه الاخيرة عشرين طالبا اثر المظاهرات التي اندلعت يوم توقيع معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني وذكرى يوم الارض. وقد شكلت نقابة المحامين لجنة دفاع عن الطلبة المفصولين برئاسة حنا نده ورفعت قضية امام محكمة العدل العليا وكسبتها بعد ستة اشهر وصدر قرار باعادة الطلبة المفصولين. غير ان مثل هذا الدعم تلاشى تماما في التسعينات وما بعدها.
وأما المؤسسات الشعبية الاخرى فلا تولي اي اهتمام يذكر بقطاع الشباب والطلاب، في الوقت الذي امتد فيه نفوذ المشاريع الممولة اجنبيا بتسهيلات كبيرة من الحكومة الى طلاب المدارس والجامعات والمنضمين حديثا الى سوق العمل. وفي حين تسمح الحكومة لبرامج مثل "انجاز" الممول من قبل وكالة التنمية الدولية الامريكية USAID بالعمل بكل حرية في المدارس والجامعات، تقوم باعتقال نشطاء مقاومة التطبيع لنيتهم طباعة مساطر وأقلام وبرامج مدرسية تحمل شعارات مقاومة التطبيع!