مقالة لطيفة من اخونا الزعبي
موسم الحب والوجع
ثلاث فئات تستفيد من موسم قطاف الزيتون : الأولى، أصحاب البكمات ( طوال الروح) الذين ينقلون الزيتون من الحواكير والمزارع الى المعاصر دون تأفف أو تذمر، لأنهم يعشقون الراحة و الجلوس في ظلال السناسل وشرب الشاي البارد، وطق الحنك مع العجايز بغض النظر عن مبدأ الربح والخسارة .
الفئة الثانية : أصحاب المعاصر وعمالهم الذين ينتظرون هذا الموسم بفارغ الصبر منذ انتهاء الموسم الفائت للاستفادة من أجرة العصير وبيع الجفت وعقد الصفقات على ظهور المساكين ( اللي ما الهم والي).
أما الفئة الثالثة: فهم أطباء العيون والعظام ، أطباء العيون يقومون بتطبيب من أصيب بعينه أثناء معركة التلقيط أو غافله جذع منفلت ففقأ (البؤبؤ) أو كاد. و أطباء العظام - يقومون بتجبير سيقان المحاربين الذين سقطوا من على (صهوة براميلهم) في أرض المزرعة بعد أن أبلوا بلاء حسناً أثناء مرحلة التفلاية - و هم آخر فئات المستفيدين من هذا الموسم...
بالأمس كنت في زيارة لطبيب عيون ، فوجدت أن معظم المراجعين هم من ضحايا التلقيط ، أحد الختيارية يضع شاشة طبية على عينه اليمين وفوقها نظارة سميكة ، الآخر يضع طرف الشماغ على عينه اليسار ويتابع ما يجري في العيادة بعين واحدة، وختيارة ثالثة تضع محرمة مستطيلة تحت عصبة رأسها وتنزلها (كأباجور)على عينها اليمين ،وتروي (لكنتّها) المرافقة الحادثة بتفاصيلها الدقيقة .و سأسردها هكذا كما سمعتها: ( يوم مزطت حفاية ابن جميلة ،طمنت أناوله اياها ، ليش ما يفلت العرق من إيد -الله لا يذكرها بخير- ويطب بعيني -ثم تحمد الله- مليح اللي ما راحت عيني) تماماً هذا ما سمعته من الحجة .و في كل مرة كانت تعيد ذات الحكاية عند جلوس مراجعة جديدة قربها : (يوم مزطت حفاية ابن جميلة ...الخ).
المرافقون طبعاً ليسوا بأحسن حال من المرضى ، جميعهم مهبّرين وكأنهم خارجين للتو من هوشة شباري ، هناك جرح على هيئة خط مستقيم مرسوم فوق جبهة أحد الشباب ، كما أن هناك شخط على هيئة سحّاب يصل ما بين السالف والذقن لرجل أربعيني ، أما الأيادي فحدّث ولا حرج..
عندما نادت سكرتيرة الدكتور على الحجة أم المحرمة ليفحصها الطبيب جلست على كرسي الفحص وبدأت بسرد القصة كاملة ( يوم مزطت حفاية ابن جميلة ، طمنت أناوله اياها ، ليش ما يفلت العرق من إيد -الله لا يذكرها بخير- ويطب بعيني - ثم تحمد الله- مليح اللي ما راحت عيني)..
وأنا أنصت لهذه القصة مستمتعاً ، قلت في نفسي طبيب العيون في بلدنا لا ينفع أن يكون من عبدون أو الصويفية أو دير غبار..الطبيب يجب أن يكون مثل العشب البري مثل الشيح و القيصوم ليفهم وجعنا ووجع لغتنا ، ببساطة يجب أن يكون طبيبنا ملماً بشقائنا ليفهم مصطلحات أمهاتنا..الطبيب الفلاح وحده يعرف ما تعنيه العجوز بعبارة ، عيوني مهطبلات ، التي تختلف عن عبارة عيوني مهدبلات ، والتي تختلف عن مصطلح عيوني مغطغطات ..فكل واحدة تعتبر عرضا مختلفاً عن الآخر..
***
يا أمهات الزيتون يا رائحة الزيت المفروك باليد المجروحة..سلمتن يا بركة..
منقول عن مقالات الكاتب الاردني :
احمد حسن الزعبي
مواقع النشر (المفضلة)