إذا لم يكن من الموت بدّ!
..فَمِنَ العار أن تموتَ جبانا.. تلك هي المعادلة التي خطتها المقاومة في غزة على جبين سياستها غير مكرهة، وذاك حجر الزاوية في العرف المقاوم الذي يجيد الإمساك بدفة المواجهة، وهذا هو لسان حال قسام غزة اليوم وهو يسدد ويقارب، ويصون الدماء بقدر انتصاره لغضبة المكلومين ونزفهم!
لا تتوقف غضبة القسام عند أثر التهديد الذي يطلقه وزير صهيوني مؤكداً بأنه " إذا ما خاضت إسرائيل عملية عسكرية في قطاع غزة فستستمر العملية حتى تحقيق هدفها ألا وهو إسقاط حكم حماس"، ولا يرغم حماس تهديد من هذا الطراز على إخماد نارها طلباً لسلامة سلطتها الحاكمة، غير أنها في المقابل لا تلتفت إلى من ديدنه التشكيك والتثبيط، وإلى من كان قد ظنّ شامتاً بأن تأكيد القسام في سابق الأيام عزمه على الردّ في الوقت المناسب لم يعد سوى حالة تخدير للوعي وتبرير للعجز عن إطلاق ساعد الردع.
وحدهم المؤمنون بالمقاومة والواثقون بصوابية تكتيكاتها من يستطيعون فهم سياستها، ووحدهم الذين لا تجرّهم حملات التشويه والتشكيك المضادة إلى مربّعها من يعون أصول المواجهة في غزة ويدركون خصوصيتها، ويفهمون حاجتها لمراكمة قوتها وخبرتها وسدّ ثغرات الخلل في بنائها، ما دام قدرها أن تظل بؤرة اشتعال دائمة، وعنوان الريادة في مقاومة المشروع الصهيوني!
ووحدهم ذوو الأفهام القاصرة والمشاعر غير المنضبطة من يفترضون أن غزة عليها أن تنوب دائماً عن كل فلسطين وكل الأمة في حربها على الكيان، وأن تظل نافورة دمها مفتوحة بلا حساب، وأن تستمر صواريخها بالانهمار على قواعد الاحتلال دون توقف، وكأنه ما من حصار يفتك بغزة من جميع الجهات، أو كأنّ لديها عمقاً جغرافياً مفتوحاً على مصراعيه يتيح لها التزود الدائم بالعتاد أو حتى مقومات الصمود!
لم نعد نشك بأن غزة ستكون منطلق مشروع تحرير فلسطين الفعلي، والجذوة التي ستشعل اللهيب في المنطقة كلها عاجلاً أم آجلا، ولم نكن نشك أصلاً بأن تجربة الحكم لحماس في غزة ليست نهاية الأرب في مشروعها ولا محطته الأخيرة، حتى ونحن نستمع لتخوفات المخلصين والحريصين على نقاء مسيرة الحركة، أو حوقلة من نفض يديه من حركات المقاومة الفلسطينية جميعها، ووسمها بأنها غدت تتطاحن على (الكراسي والمناصب)، وتخلّت عن المقاومة وغرّتها دنيا الحكم والسلطان.
لكن مثل هذه المحطات التي تهبّ فيها رياح مقاومة حماس من غزة أحياناً، ومن الضفة حينا، هي بمثابة صعقات محرجة لمن يعوزه اليقين حتى يفهم إستراتيجية حماس المقاومة، ويعي أولويات الساحة الغزية وخصوصياتها وما فُرض عليها أصلاً من تحديات، وهي إشارات لا تقبل التشكيك تدلل على موقع القسام في معادلة المواجهة، وعلى نهجه المتوازن في التعامل مع حسابات الردع المختلفة، ورؤيته المبصرة السائرة على هدى من أمرها، والمنسجمة مع شعاراتها ومع سياسات الحركة العامة، وقبل كل شيء المؤكدة على حضور البندقية كخيار حيّ في المشهد السياسي الغزيّ.
ولذلك ليمسك الناصحون عن الكلام حين تلفحهم حرارة الدم، وحين تصبح رؤوس قادة المقاومة كلّها في مرمى النيران، لأن قيادة لا تبالي بالموت حين تفرض عليها المواجهة -وإن كانت غير متكافئة-، هي بالضرورة في غنىً عمن لا يجيدون قراءة مسارها فضلاً عن التعليق عليه وتقييمه.
مواقع النشر (المفضلة)