جلستُ على الأرض و أسندت جسدي المتعب على حجر لا اعلم ما انهكه وما مر عليه من سنين وجهه كوجه عجوز قد غدرتها تجاعيد السنين
طوقت ما تبقى من جسدي بذراعي و أسندت رأسي على ركبتي
بحنين إلى الملجأ الأول تكورت و تقمصت روحي الأمل
وبدأت أتامل كفي بمقارنة عمياء بين خطوط الكف وما تحويه هذه الأحجار من تجاعيد وتموجات
بعيون أثقلها الأرق ارتفع نظري بلهفة لاستحضار الزمان والمكان
أستيقظت روحي على اطلالة أقرب ما يكون إلى الخيال
بنظرات تعانق الأفق
تقلدت عيوني بقلادة رومانية فريدة ثمينة تزين نبض القلب
جوهرة تتلألأ .. تتوشح بعصورذهبية ..
تنفرد بجاذبية
تنحصر بمكانة تاريخية
تملك ذكريات عمّانية
تحتضن أكاليل وردية
وفنون عمونيّة ، يونانيّة ، رومانيّة ، بيزنطيّة ، إسلاميّة
من بين الصخور الأولية ولدت
بيد رومانية ربتت لتشكل نصف قلب لدائرة يضيق أسفلها وتتسع صعوداً بدرجات حجرية
تتخللها أنفاق سراديب أثرية
اغمضت عيوني محاولة استملاك قلادتي
اتنهد بصمت واستعيد بصري واحلق به إلى اطار قلادتي الرومانية
اتجهت نظراتي إلى يميني
حيث وسط عمّان كلّ شيء مختلف
كل شي هنا
روح المدينة وسكون النفس
وبساطة النشأة والتكوين
بيوت تزاحم المقاهي والشوارع والدكاكين
بيوت من حجر
لكل بيت رواية مروية
واحداث مسموعة و مرئية
لكل دكان ومقهى حكاية ذات أهمية
لكل منها هوية وَ وطنية
ينحدر نظري من " حد السيل "
وكأنها تعيد تحذيرها وتدعو لليقظة الزمانية
تتداخل نظراتي مع موسيقى عمّانية
أصوات تتمازج بفطرية عشوائية
موسيقى تنحدر بانسيابية
كفوف تتضرع بعبودية
ابتهالات تشدو بعفوية
صدى أصوات إنسانية و بعض من اللغات الأجنبية
وأصوات أبواق السيارات وصوت الباعة والمقاهي والدكاكين
برونق عمّاني فريد .. بعفوية .. بجمالية
وكأنها تشكل أجمل مقطوعة موسيقة
تتداخل الأزمنة من جديد يحلق نظري في الأفق البعيد
يتمازج الماضي بما فيه بالحاضر وكلّ ما يحتويه
عراقة الأصالة ومعاصرة الحضارة
وكأنها تزين الأفق البعيد القريب
يطوف نظري بعيون تتكحل بمرود أنثوي عمّاني أردني عربي
بنظرة العاشقة لمعشوقها
يلتقي نظري بأكبر عشق عمّاني صنعته الطبيعة وصقلته أيادي السكان
"القلعة "
بجنون .. بخضوع .. بشوق .. بحنين
يتوشح عنقي بلقاء القلعة وجبلها
وكأن جبلها هو حضن الأم لعمّان
تطوق بجذورها الراسخة الأزلية أطفالها بعفوية الأم الملائكية

قد ورثتنا اطلالة تتدفق من مجرى التاريخ
لتلتحم الذكريات و تشرف على جبّال عمان
فتضيع بنا الإتجاهات ويبقى " جبل القلعة " قبلة القلوب
ينمو عشق فوق المنحدارت ويزدهر بأجمل الإطلالات

" جبل القلعة " هو قلب عمّان النابض
هو حضن أم عمّان الدافئ
هو الشموخ هو نصف القلب الروماني
فيه يكتمل نصف قلادتي الآخر
جوهرتي الثمينة " المدرج " الأذين الأيسر لقلب قلادتي " القلعة " البطين الأيمن لقلادتي
اعود وكليّ حنين أعود
لوشاحي الدافئ
لأعمدة رسخت
شمخت بقامة ملكية
تشق التاريخ بخطوات سادية
للقلعة نافذة أرضية و أخرى سماوية
فتسحر الأرواح بأصالتها السحرية
وجاذبيتها الذهبية
وصخور قامتها الفتية النقية
لتداعب السماء بأناملها العصية
وتراقب بعيونها الرومانية الحضارات الإنسانية
وتوقظ بإبتسامة تاريخها الحياة المدنية
تنقضي سنوات كثيرة وتطوف أمام العيون .. تُحفر في الذاكرة وكأن جميعها يحدث الآن
رائحة المكان .. عيون الزمان .. التي تراقب تقلب الفصول و الإنسان
بنظرة حادة تتوارى الذكريات على أرض بلا حدود .. تتسع كلما ضاقت بها الدنيا .. سهلاً اخضراً بلا نهايات .. جبالاً لا تعرف إلا إرتفاع الهامات ..
صخور شماخة كجسدة إمرأة ملتحماً بالأرض .. حيث للمكان سيد .. والغيم شالاً ينسدل على كتفيها و قامة تأسر الناظرين إليها ..
تزهر الطريق إلى الفرح تحت قدميها ..
هي الحاضر والوعد .. هي الزمان الساكن فينا .. هي الحد الفاصل .. هي الحقيقة ..
أصوات لها قدرة خارقة على توحيد الذات .. من بين زحام الأصوات صوت واحد يرغم قلبي على الوقوف .. صوت ترتعد جدران السماء له .. يهز أرجاء الأرض ..
صوت ينخرط في جسد عمّان .. يرتعش ..
صوت يطارد ضجيج المدينة ..
وما أجمله من صوت " الله أكبر "
المآذن طوق نجاة عمّان من رصاص يحترف الغدر .. تمحي الحزن تجتثه من الأعماق ..
صوت الآذان و إرتفاع النداء
وشمس تحاصرها غيوم تتشكل كمظلة مثقلة بالخير و طيور مبعثرة تحلق فوق سماء المدينة .. تتناقل الأخبار .. تواصل الركض إلى كلّ عنوان .. تقتحم خنادق النفس .. تاخذ معها الأحلام .. تملأ الدنيا بالأمان .. تختصر السنين القادمة بهدوء و سلام ..