مسافرٌ..... وعائد
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
27/05/2013 م
..............................
في ردهة المطار
في صالة المغادرة
سألني موظف الأحوال
إلى أين وجهتك؟
قلت له:
مسافرٌ ... مهاجرٌ ... وعائد
مغادرٌ من ...المجهول...؟
قادم إلى ... المجهول...؟
لكنني في نهاية المطاف عائد
صدقني يا سيدي
لا أعلم وجهتي إلى أين
لا أستطيع تحديد موقفي
أو موقعي من الأحداث
....
أجواءٌ ملبدةٌ بالغيوم والضباب والسحاب
عواصفٌ تذر الغبار والرمال بالعيون
حالة مستعصيةٌ من عدم الإستقرار
لا أعرف المكان...
أجهل العنوان...
لكنني يا سيدي
فكرتُ واستخرت
إتخذت القرار
مسافرٌ من الأوطان
رغم عشقي للمكان
رغم شوقي للزمان
وعائدٌ الى الأوطان
رغم فقدان الأمان
رغم طول الإنتظار
....................
دفنت ذكرياتي هنا
حنطتها
لحفظها من النسيان
ودعتها
قبلتها فوق الجبين
أمطرتها بالدمع
خبأتها في صخرة من موطني
تركتها في حرقة
حزمت أمتعتي وأمري
مسافرٌ إلى المجهول
رغم أحمال المتاع
رغم أثقال القرار
....................................
سألني موظف المطار:
هويتك .. جنسيتك؟
قلت له:
أنا إنسان
عربي المولد والنشأة
لكنني يا سيدي ممزق الأفكار
مقطع الأوصال.
عاد بالسؤال:
عذراً ما ديانتك ومذهبك؟
قلت له:
ديانتي مكتوبةٌ بهويتي
حبرٌ على ورق
لكنها في كنهها سرٌ من الأسرار
علاقة سرية بيني وبين الله
بيني وبين خالقي
هو وحده صاحب الحق بالسؤال
في يوم الحساب
يومٌ لا نفاقَ فيه
ولا هروبَ ولا فرار.
......................................
ماذا أقول لك يا سيدي
آووووف ... أووف
ساق الله على أيام زمان
في موطني القديم والجديد
في موطني الصغير والكبير
كنا نعيش سوياً دون فرز للعقائد والمذاهب
حرية في الإختيار
في العبادة والقرار
عناق بين المآذن والكنائس
تداخل بين صوت الآذان
وقرع الأجراس
إحترامٌ متبادل
نتنافس في الوفاء لذوي القربى
ولصلة الأهل وحقوق الجوار
.......
تسامحٌ ... تضامنٌ ... تكافلٌ
بين العقائد والمذاهب والطوائف
هويتنا جميعاً وطنيتنا وانتماؤنا
تحت مظلة الأوطان
دون اقتتال أو خرابِ أو دمار
...................................
قال لي موظف الأحوال:
يا رجل حط راسك بين هالروس
وقول يا قطاع الروس وخليك عندنا
الغربة صعبة وقاسية
قلت له:
لا تفتح الجروح
أوطاننا اليوم تتشكل من جديد
غربتنا فيها أقسى
من غربتنا عنها
لا نملك في مصائرها القرار
فأنا مهاجرٌ قديم
لا... لا...
مُهجَّرٌ رغم أنفي
من موطني القديم
أقدم مهاجر عربي
أنا أولهم ولست آخرهم
لا أحب الموت قاعداً
أنتظر رصاصة أو سكيناً من ذوي القربى
أفضل الموت على يد العدو
......
أنا مدمنٌ على الأسفار
مسافرٌ داخل وطني الأصيل
بين قريتي وقريتي
أنا مسافر،
بين مدينتي ومدينتي
أنا مُهاجر،
بين بيتي وعملي
أنا مسافر،
بين مدرستي وبيتي
أنا مهاجر،
مسافرٌ، مهاجرٌ بطفولتي
بشبابي وكهولتي وشيخوختي
أنا عابرٌ للحواجز والأنفاق
مُخترقٌ للأسوار
رغم قسوة التحقيق والسؤال
رغم طول الإنتظار
أنا مسافرٌ خارج وطني
موزعُ الذكريات
مبعثرُ الأمنيات
مسافرٌ وعائدٌ ومسافر
هل عرفتني؟
أنا أعشق الترحال
أحمل وطني في صدري
ملتصقٌ به وملتصقٌ بي
ألصقته بسلالتي، لا ننفكُّ منه
ولا ينفكُّ منا
إطمئن يا سيدي
أنا مسافرٌ لأجله
مسافرٌ لعودةٍ حتمية
إن لم تكن لي
ستكون لمن يرثني من بعدي
صابرٌ على الغربة والترحال
غربتي في موطني الصغير
غربتي في موطني الكبير
صابرٌ على مصائب الإحتلال
متمسكٌ بثوابتي
رغم قهر الإحتلال
رغم طول الإنتظار
فهل عرفتني؟
قال: وهل يخفى القمر؟
إن كان غائباً اليوم
لا بد أن يظهر يوماً ما
وتسطع منه الأنوار
فهو موجود
ولن تستطيع أي قوة على الأرض أن تفنيه
رغم الغيوم والسحاب
رغم العواصف والصواعق والضباب
ختم جواز سفري وقال
مع السلامة
أنت من المهاجرين
وأنا من الأنصار.
قلتُ له:
إلى لقاء قريب
أرجو أن لا يطول الإنتظار