دموع الورد
06-10-2010, 10:49 PM
قهـوتي البـاردة
المصدر : مجلة انت
في بعض الأحيان، صار يجري التعامل مع القهوة كطقس ثقافيّ وطبقيّ وسياسي!
وهي، لم تعد بعيدة أبداً عن هذه السياقات؛ بل إنها في متنها تماما.ً
ففنجان القهوة الذي كان مجرد تقليد ا
جتماعي عتيق، يقصد به ترحاب إضافي بالضيف، أو عادة غير صحيّة حين يشربها - من الفنجان ذاته - خمسون رجلا في العرس أو في العزاء، صار لها الآن مزاج اجتماعيّ مختلف، ودلالات لم تخطر يوماً في بال العجائز الذين أورثوها لطلاب وطالبات الجامعات!
القهوة الآن تشربها طالبة الثانوي في «الكوفي شوب»، في حركة استعراضيّة يقصد بها إظهار النضج، وكرسالة إلى الطاولات المجاورة أنها سيدة وليست مجرد يافعة تكتفي بعصير البرتقال!
وحين تتصل بها زميلاتها، تتأنى في عبارتها :» لسه ما شربت قهوتي»!
والطالب الذي يجلس إلى طاولة قريبة في المقهى ذاته يرسل برسالة جوابية سريعة جداً حين يطلب فنجاناً ثانياً من القهوة، مؤكداً بلهجة الخبير أن تكون « مغليّة كويس» !!
أما الشباب الذين لهم علاقة، ولو بسيطة، بالثقافة أو السياسة أو الفن فلهم حكاية أخرى؛ فالقهوة يجب أن تكون دائما «بلا سكّر»، ومن المخجل أن يشربوها حلوة أو حتى «وسط»، فإذا ما جالسهم «غشيم» وشرب قهوته بسكّر «ولو قليل» تغامزوا عليه وتبادلوا الضحكات بصمت، لأنه فلاح وغير مثقف، ومتطفل على طبقة النخبة المثقفة «الأنتلجنسيا»!
وبعض، من هؤلاء «المثقفين»، يشترط أن تكون القهوة بلا وش «بلا وجه»، وأن تكون من مطحنة بُن معينة، وإلا فإنه لن يشربها، وبعضهم يصمّم أن يغليها بيده لأن له طريقة خاصة لا يقول سرها لأحد!
أما الجديد، في طقوس القهوة، فهو تناولها باردة، أو مثلجة، وبأصباغ تجعلها بأكثر من لون، غير لونها القديم البني، الذي صار «بلدي كتير» ولا يناسب صرعات الموضة والانفتاح على العالم!
ولا بأس لإظهار المزيد من التمدن أن ينادي الزبون بصوت عال على الجرسون محددا هوية القهوة التي يريدها ... والتي ليس من بينها «العربية» بأي حال من الأحوال!
والقهوة. صارت ذريعة أيضاً، فيقول الفتى لفتاته: «خلينا نقعد نشرب قهوة ؟!» حتى لو كان كلاهما لا يشربان القهوة، فالغرض هنا هو الدعوة للقاء؛ حتى لو كان على كأس ?يمتو «قبل ما يخلصوووووه»!
وقد تصير القهوة فخّاً أو مصيدة؛ حين يطيح شاب بعقل فتاة زاعماً أنه يقرأ الفنجان، وهو لم يقرأ جريدة في حياته!
أو تصير « ثمناً» لروح بريء قتلته سيارة طائشة، فيتسامح أهل الضحية مع أهل القاتل امتناناً لقهوتهم الطيبة!
وقد يرى شاعر في « فورة » القهوة، على النار وغليانها، انفعالات تشبه تسارع أنفاس الحبيبة حين يقترب منها في لحظة حميمة، أو حتى في لحظات غضبها.
أما في العيد، فتمتهن القهوة، وتصير مجرد سائل رخيص يحمله ولد رقيع ويلف به على الضيوف مع سلة الكعك والمعمول، أو يدور بها على زوار المقبرة يصبّها لهم عن روح المرحوم!
أما أنا فلا أشرب القهوة ، منذ حوالي ست سنوات، وكنت قبل ذلك أشربها مجاملة دون استساغة لمذاقها اللاذع ، لكنني حين قرأت مرارا أنها لا تقل ضررا وخطورة عن السجائر، قررت أن أهجر إحدى السيئتين، فاستقويت عليها غير نادم!
المصدر : مجلة انت
في بعض الأحيان، صار يجري التعامل مع القهوة كطقس ثقافيّ وطبقيّ وسياسي!
وهي، لم تعد بعيدة أبداً عن هذه السياقات؛ بل إنها في متنها تماما.ً
ففنجان القهوة الذي كان مجرد تقليد ا
جتماعي عتيق، يقصد به ترحاب إضافي بالضيف، أو عادة غير صحيّة حين يشربها - من الفنجان ذاته - خمسون رجلا في العرس أو في العزاء، صار لها الآن مزاج اجتماعيّ مختلف، ودلالات لم تخطر يوماً في بال العجائز الذين أورثوها لطلاب وطالبات الجامعات!
القهوة الآن تشربها طالبة الثانوي في «الكوفي شوب»، في حركة استعراضيّة يقصد بها إظهار النضج، وكرسالة إلى الطاولات المجاورة أنها سيدة وليست مجرد يافعة تكتفي بعصير البرتقال!
وحين تتصل بها زميلاتها، تتأنى في عبارتها :» لسه ما شربت قهوتي»!
والطالب الذي يجلس إلى طاولة قريبة في المقهى ذاته يرسل برسالة جوابية سريعة جداً حين يطلب فنجاناً ثانياً من القهوة، مؤكداً بلهجة الخبير أن تكون « مغليّة كويس» !!
أما الشباب الذين لهم علاقة، ولو بسيطة، بالثقافة أو السياسة أو الفن فلهم حكاية أخرى؛ فالقهوة يجب أن تكون دائما «بلا سكّر»، ومن المخجل أن يشربوها حلوة أو حتى «وسط»، فإذا ما جالسهم «غشيم» وشرب قهوته بسكّر «ولو قليل» تغامزوا عليه وتبادلوا الضحكات بصمت، لأنه فلاح وغير مثقف، ومتطفل على طبقة النخبة المثقفة «الأنتلجنسيا»!
وبعض، من هؤلاء «المثقفين»، يشترط أن تكون القهوة بلا وش «بلا وجه»، وأن تكون من مطحنة بُن معينة، وإلا فإنه لن يشربها، وبعضهم يصمّم أن يغليها بيده لأن له طريقة خاصة لا يقول سرها لأحد!
أما الجديد، في طقوس القهوة، فهو تناولها باردة، أو مثلجة، وبأصباغ تجعلها بأكثر من لون، غير لونها القديم البني، الذي صار «بلدي كتير» ولا يناسب صرعات الموضة والانفتاح على العالم!
ولا بأس لإظهار المزيد من التمدن أن ينادي الزبون بصوت عال على الجرسون محددا هوية القهوة التي يريدها ... والتي ليس من بينها «العربية» بأي حال من الأحوال!
والقهوة. صارت ذريعة أيضاً، فيقول الفتى لفتاته: «خلينا نقعد نشرب قهوة ؟!» حتى لو كان كلاهما لا يشربان القهوة، فالغرض هنا هو الدعوة للقاء؛ حتى لو كان على كأس ?يمتو «قبل ما يخلصوووووه»!
وقد تصير القهوة فخّاً أو مصيدة؛ حين يطيح شاب بعقل فتاة زاعماً أنه يقرأ الفنجان، وهو لم يقرأ جريدة في حياته!
أو تصير « ثمناً» لروح بريء قتلته سيارة طائشة، فيتسامح أهل الضحية مع أهل القاتل امتناناً لقهوتهم الطيبة!
وقد يرى شاعر في « فورة » القهوة، على النار وغليانها، انفعالات تشبه تسارع أنفاس الحبيبة حين يقترب منها في لحظة حميمة، أو حتى في لحظات غضبها.
أما في العيد، فتمتهن القهوة، وتصير مجرد سائل رخيص يحمله ولد رقيع ويلف به على الضيوف مع سلة الكعك والمعمول، أو يدور بها على زوار المقبرة يصبّها لهم عن روح المرحوم!
أما أنا فلا أشرب القهوة ، منذ حوالي ست سنوات، وكنت قبل ذلك أشربها مجاملة دون استساغة لمذاقها اللاذع ، لكنني حين قرأت مرارا أنها لا تقل ضررا وخطورة عن السجائر، قررت أن أهجر إحدى السيئتين، فاستقويت عليها غير نادم!