ربما
كنت الوحيد الذي أنزع أمامه رداء قوتي و أتعرى من غروري
ربما
كنت الوحيد القادر على احتوائي ، و على امتصاص أرق هواجسي
ربما
لو كنت قريبا مني لما استطعت أن أمنع نفسي عن البكاء و أندس في حضنك و أشهق بالأنين
ربما
لو تمهلت و منحتني المزيد من الوقت ، لأخبرتك أني أحتاجك ، أحتاجك كثيرا
ربما
لو تسللت إلى ذاتي لرأيت بعيوني نداءا لك ، نداءا به الكثير من الرجاء ، الكثير من الحب
ربما
لو كنت قريباً لوجدتني أقرب لطفلة من امرأة ، لوجدتني لازلت أحن لدميتي و لأقلامي الملونة و شريط شعري الغجري الأحمر، و أتمنى كل ليلة أن تأتي لتحكي لي قصة عن الأقزام السبعة و الأميرة و الجان و القصر المسحور
لوجدتني ملاكا صغيرا لا ينام إلا على هدير موسيقى صندوقه الصغير
ربما
كنت الوحيد الذي يمتص غضبي و يحسن تهدئة مخاوفي
ربما
كنت الوحيد الذي جعلني أصمت و أنا في محرابه البعيد
ربما
لم تك في يدي حيلة غير أن أقبلك قبلة المساء و ألوح لك من جديد بمنديلي المطرز عل اللقيا تطول في المرة القادمة
ربما
اكتشفت أني لا أتقن إيصال مشاعري إليك ، و أني فاشلة في دوري كحبيبة
ربما
أني امرأة مملة و عبثية و كثيرة الضجرْ
ربما
لم تك عندي غيرها وسيلة لأخبرك أن بك امتداد مدينتي و أحلامي
ربما
أني كثيرة الإزعاج ، و كثيرة الضوضاء ، لكني و رغم ازدحام التاقضات إلا أني سريعة التأثر و الانفعال
ربما
يا رج ــل حياتي ، لو دنوت قليلا مني ، لالتمست لي العذر ، فقد أودعتك مفاتيح ابتسامتي و بهرج دنيتي ، لوجدت الحنين إلى مواساة منك يفوق ما بالسماء من أنجم و أقمار
يا ليتك قبل أن تستعجل الرحيل .. قرأت بي
" رويدك ... لا تغادر ... أخشى الإرتكان وحدي ..."
ربما - أكيد -
كانت راحتك بي أكبر أعظم بكثير من حاجتي الماسة لك في هذه الأمسية الرمادية
أكملت فنجاني البهيم ، و على طاولتي اليتيمة التي قاسمتني إياها أشباح أسطري ، تركت بقايا مداد هذا المساء ، و انصرفت كعادتي أمشط الطرقات و أطارد كحل مقلتي بين إغفاءتك ، و أشاطر المجانين و المتشردين صقيع الوحدة الجافة
و مع كل خطوة أخطوها و مع كل إبحارة أبحرها ، و مع كل رحلة أسافرها ، يتعاظم الوجد في ثنايا الفؤاد
فتصير قنديلي الليلي
طريق طويل ..

