من بعد سلامي

دون مقدمات أو إطالة كلام

ودون الغوص عميقاً فانا أعاني ضيق تنفس هذه الأيام والسبب إنني أصاحب المدخنين كثيراً هذه الأيام

الموضوع باختصار هو ارتفاع الأسعار الملحوظ هذه الأيام وخاصة وإننا في هذه الفترة على أعتاب الشهر

رمضان الكريم والذي للأسف الشديد ارتبطت فيه عند البعض من ضعاف النفوس العبادة بالطعام

بالاستغلال

ارتبط الاستغلال بالدين

أحببت فقط إن أقتبس رسالة إلي المرحوم الصادق النيهوم

إلي تجار بلادي

أنا لن أوبخهم على نوعية المعروض واستغلال الطلب وانتقاص العرض لا والله

أنا لن اطلب منهم إن يراعونا في أسعارهم فكلامي هو قهقهة جوفاء في زمن بيع فيه حتى الكلام

فقط رسالة لكاتب ليبي مخضرم يقارن بينهم وبين غيرهم

أيها التجار أيها الأغنياء الكرام تمنيت إن تكونوا مثلهم

الذين لا دين لهم

الملحدين

أولئك الذين يتخذون من ضمائرهم ووطنيتهم مفتاحاً لدعم مجتمعاتكم

وأنتم

من تدعون الوحدانية والأيمان

جعلتم من مجتمعاتكم سلة محصلة لمجمعاتكم وأسواقكم وملذاتكم

تسرقون السوق وتبيعون النعوش

تحاربون المنافسة بالاحتكار

لا همكم نحن

نحيا او نعيش

نتعلم أو لا نتعلم

لكم جلبت هذا النص من كتاب الآخذ بالألباب

فقط لأذكركم بما فعل غيركم لمجتمعاتهم



هل تقرؤون الشعر؟ وهل سمعتم أن ثماني جامعات في الولايات المتحدة تنفق عليها المؤسسات

التجارية.. وأن أحد التجار أنشأ سبعين معهداً لإيجاد علاج للسرطان، وأن نصف الأدوية التي تأكلونها الآن

تم ابتكارها في هذه المعاهد؟ هل سمعتم مرة عن رجل اسمه شميلنج أنشأ ثلاثة آلاف مدرسة لتعليم

العمال الألمان، وأن ألمانيا بفضل هذا الرجل لا تحتوي أميا واحداً الآن. وهل تعرفون مرض السل فقد تم

إيجاد علاجه في معهد روكفلر، الذي كان تاجرا مثلكم. ولم يكن مصابا بالسل. ورالف سكوت ذلك تاجر

أحمق آخر بدد ثروته في تعليم مواطنيه الأمريكان في القرن الماضي، وقد تخرج من إحدى مدارسه

العمالية، ولد اسمه غراهام بل واخترع التليفون الذي تعرفون سماعته الآن وتقولون هاللو والصنداي

تايمز أنشأها أحد تجار اللبن. والهيرالد تريبيون أنشأها شيطان آخر. والمكتبات العامة التي تمتد بين

شارع سان باول هي هامبورغ وبين شارع لابينتا في ميلانو أنشأها كلها التجار ولم تشتر أي من الدول

كتابا واحدا فيها. وحديقة سبيليوس في الأرجنتين بناها تاجر سويدي باعتبارها هدية من السويد إلى

أمريكا اللاتينية. فلماذا فعل ذلك؟ لماذا لم يسافر إلى القاهرة ويكتر شقة في الزمالك ويملؤها، وجائزة

نوبل تنفق عليها مؤسسة تجارية. وقد كان نوبل تاجرا مثلكم، وقد اخترع الديناميت ثم أنشأ جائزة

للسلام. هل تعرفون ذلك؟ وشركة أسو التي تدورون حول مائدتها، تنفق ربع أرباحها على المعاهد العلمية

في بلادها، وفي أحد هذه المعاهد نبتت فكرة السفر إلى القمر، وتخرج المهندسون الذين قاموا

بتنفيذها.

أيها الأثرياء: كلمات الحق القوية لا تصرع ولكنها قد توقظ وقد تهز الأجساد المترهلة مثل رعشة الكهرباء

في علاج الانفصام. ذرعت هذا الوطن الهائل العملاق طولاً وعرضاً وشاهدت منه بكل اتساع الأحداق

لكنني لم أشاهد منكم ما يحجب طرف العين حتى وإن كان سور مدرسة. ذرعت كل مسافات هذا الوطن

فوجدتكم في كل مكان تقهرون الدنيا، وهو الحق المشروع الحلال، ولكنني لم أشاهدكم تعمرون الآخرة،

وتبنون للحياة وكم هم الأثرياء الذين مروا علينا ثم رحلوا وقد قبرنا معهم كامل أسمائهم وكل عناوينهم

وألبوم صورهم وسيرة حياتهم: لم أشاهد منكم أحداً يطلع علينا من القبر بإضاءة خالدة تبقي ذكره بيننا حياً

عامراً وكل ذكرياتكم لدينا لا تدوم أكثر من كل الدموع المصطفة للنساء والأولاد خلال أيام ثلاثة من سنة

العزاء وكم هم منكم الذين انتهوا من كل عمل أو ذكريات أو ذاكرة بعد أن ترحل القدم الأخيرة من جموع

المشيعين في سور المقبرة.