عزلـــــة الحيـــــاة .. والنــــاس
تعرف العزلة بأنها شعورعميق بالوحدة والاغتراب وانعدام التواصل مع الاخرين ، بل وتعتبر اقسى العقوبات التي يلوح بها للكثير من الدول والشعوب للرضوخ والاستسلام .
اختلاف نمط العيش و ايقاع الحياة السريع دفع الناس للكسل والخمول والتوتر والقلق والابتعاد عن الغير، وتسبب بكثير مما اطلق عليه هذه الايام امراض العصر.
ثمة من يشبه الناس هذه الايام بجزر معزولة ، يملأ قلوبهم الخوف والاحباط وفقدان الثقة بالنفس والآخر، تتحكم المنفعة في علاقاتهم ، حتى ان احساسهم بالبرد في فصل الشتاء يتعاظم بحسب ابحاث علمية ، بخلاف مودة ودفء عاشتها المجتمعات من قبل برغم قسوة الحياة .
وتعتبر العزلة التي يعيشها المجتمع العربي هذه الايام مرض العصر بجدارة ، وفق ما يقول اخصائي طب نفسي ''د.خليل ابو زناد'' ، فضغوط الحياة تقود الناس للتقوقع والاحباط والاكتئاب ،بل ونحن نسير نحو عزلة اجتماعية اشبه بما يحدث في المجتمعات الغربية ، وهو ما لم تعرفه الاجيال السابقة حيث عاش الناس ايام زمان في بساطة وهدوء ، حتى احلامهم وطموحاتهم كانت بنفس القدر، على خلاف هذه الايام حيث لايشعر المرء بالراحة والسعادة برغم ما توفره الحياة العصرية من رفاهية ، ويضيف ''د.ابو زناد'' بأن اكثر من نصف افراد المجتمع يواجهون ظروف وتحديات اكبر من قدراتهم وطاقاتهم الفكرية والذهنية والاجتماعية والاقتصادية وعليهم اللحاق بالركب .. علم وعمل وطقوس عيش غير منسجمة مع شخصيتهم وبيئتهم البسيطة التي تعودوا عليها ، مما يؤدي لوقوعهم تحت ''سترس '' هائل سيقودهم تدريجيا الى العزلة.
عدم الانسجام مع الغير يؤدي الى العزلة ، كما يقول طالب جامعي ''حسن 20عاما'' فهو كثيرا ما يشعر بالوحدة، لسبب بسيط بانه لايتفاعل مع من حوله من زملاء واصدقاء مما تسبب في اتهامه بالتعالي عليهم ، الامر الذي جعله يضطر لمجاملتهم احيانا ، بينما في قرارة نفسه هو بعيد عنهم تماما ، فعالمه غير عالمهم، وتفكيره يختلف عن تفكيرهم ...
العلاقات بين الناس تراجعت واصبحت تحكمها المصلحة وجهة نظر لربة منزل وموظفة بمؤسسة خدمية''هلا 42عاما'' وتقول : المقارنة خاسرة بين علاقات اسرتي مع الاهل والاصدقاء والجيران ايام زمان ، وبين علاقاتي انا التي تتراجع يوما عن يوم بسبب ظروف العمل من جهة ، ومن جهة ثانية لان المصلحة اصبحت هي من تتحكم في سلوك الناس وتحدد مدى الاتصال بالاخرين ، لهذا فضلت الابتعاد وان تقتصر الزيارات في المناسبات ولاداء الواجبات الاجتماعية بخاصة فيما يتعلق بالعزاء. العزلة التي تعيشها الغالبية العظمى من الناس في معظم انحاء العالم فرضت تواصلا غير مباشر مع الغيرومنهم غرباء عبر ما يعرف بموجة الشبكات الاجتماعية ''الفيس بوك '' وهي ظاهرة تشير الى تغيير خطير في المجتمعات العربية التي تزداد ارتباطا وتشابكا بالتقنيات وليس البشر، فيما تشير جريدة ''التايمز'' الى ان عدد المشتركين في هذه الخدمة خلال العامين الماضين وصل الى 52 مليون مستخدم وللدول العربية نصيب هائل من الاستفادة من هذه الشبكة ،.
ويقول ''عامر 43عاما'' بانه ومن خلال ''الفيس بوك'' استطاع التواصل مع قريب له انقطعت اخباره منذ ما يقارب 24عاما ،حين غادر الى الولايات المتحدة الامريكية من خلال ''فيزا'' سياحية وبقي هناك ولم يعد، الا انه منذ فترة شاهد صورته على الموقع مرفقة ببيان يريد فيه التواصل مع اهله واقاربه واصدقائه القدامى .. ثمة مخاطرصحية تتسبب بها العزلةلاتقل عن مضار التدخين ، فقلة الاتصال مع العائلة والاصدقاء والدعم الاجتماعي يزيد من عناء الاورام السرطانية وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وضعف جهاز المناعة وامراض القلب والتي ترتبط الى حد كبير بالعوامل النفسية التي يعيشها الانسان .
ويعد الخرف احد الاحتمالات المتوقعة للعزلة لارتباطه بالذاكرة والناس والمجتمع ، بحسب بحث لمعهد في السويد نشر في دورية الجهاز العصبي ''نيورولودجي'' ، ، وبين بان النشيطين اجتماعيا يقل لديهم خطر الاصابة بهذا المرض بنسبة 50% عن غيرهم ممن يفضلون عدم الاختلاط بالاخرين ، ويفسر رئيس فريق الباحثين'' هوي شين وانج'' بأن التوتر المزمن يؤثرعلى اجزاء من المخ مسؤولة عن الذاكرة ، وامتلاك شخصية هادئة ومنفتحة ، اضافة لنمط حياتي اجتماعي يقلل من ضعف الذاكرة و التحكم واعراض اخرى تنبىء باشكال مختلفة من الخرف في العالم الذي يعاني منه ما يقارب 24 مليون من المتوقع ان ترتفع نسبتهم عام 2040 الى اربعة اضعاف بحسب البحث الذي شمل 506 مسنين تمت متابعتهم خلال ستة اعوام، اصيب منهم 144 بالخرف وكانت احتمالات التشخيص اقل من 50 % بين من لديهم نشاط اجتماعي اكبر.
بكل التخوف من امراض كثيرة قد تتسبب فيها ، فإن العزلة بحد ذاتها ''خراب'' يتهدد سلامة مجتمع طالما عاش بدفء الناس وتواصلهم وتوادهم الجميل.
مواقع النشر (المفضلة)