من اصعب الاشياء هى ان تكون شخص يتعامل مع كل الناس بنفس الاسلوب او الطريقة التى تجعلك ربما مفضل او لنقل مقبولا من معظم انماط و انواع الاشخاص المحيطين و يصبح وضعك فى هذه الحالة مشابه لوضع الطرف الارضى و الناس من حولك موجب او سالب او مشابه للون الابيض و الناس من حولك متعددة الالوان..و تأثير هذا بالدرجة الاولى ان الناس تنظر اليك على اساس انك طيب و غير مؤذى ومحايد نوعا ما او بمعنى اصح و على بلاطة كده مافيش خوف منك...ربما لانك تنجح بسهولة فى اكتشاف نقاط الاتفاق مع كل شخص اما فى النقاط التى تختلف معه فيها فلا تجد قدر كبير من الحماس او الرغبة فى الدفاع او اقناعه بوجهة نظرك و ارائك بصورة حادة او مباشرة و يجعلك هذا تحافظ على علاقتك مع معظم الاشخاص اطول فترة ممكنة و يزيد ايضا من صعوبة اكتسابك لأى اعداء
و يجعلك هذا فى وموقع متميز من الاحداث التى تحدث حولك.. حيث ترى الاشخاص و الاحداث نوعا ما على حقيقتها و بدون زيف حيث لا يجد المحيطين بك او المتعاملين معك ضرورة للتمثيل عليك او لا يتعمدوا اظهار او اخفاء انفعالتهم او محاولة اعطاء انطباع معين عند التعامل معك بل يكونوا على طبيعتهم الى اقصى حد..هذا اذا كانوا معك و حدك..و يختلف الوضع طبعا اذا اذا كان هناك طرف ثالث حيث يسارع الشخص الذى كان يكلمك منذ لحظات على طبيعته الى ارتداء القناع المناسب للتعامل مع هذا الشخص الثالث..هل تخيلت من قبل مشهد ان تتحول الى كرسى او ترابيزة فى غرقة يدخلها الكثير من الناس..يدخلون و يخرجون و يتعاملون مع بعضهم البعض دون ان ينتبهوا لوجودك اويشعرون بك..فهل عندما يعلق احدهم على سلوك شخص اخر كان معه من دقائق ثم يخرج من الغرفة..هل سيأخذ حذره عند اطلاق تعليقه الجارح على هذا الشخص من و جود كرسى كان موجود ايضا عندما ابتسم فى و جه نفس هذا الشخص منذ دقائق..بالتأكيد لا
ربما ينظر البعض الى هذه الحيادية المتناهية على انها ميزة كبيرة يمكن استغلالها ..و الحقيقة ان هذا صحيح و لكن المشكلة ان بمجرد اول استغلال لهذه الميزة سوف تفقدها على الفور..فيكتسب لونك الابيض لونا اخر وتكتسب مجموعة من الشحنات تنفى عنك صفة الطرف الارضى و تصبح ذو شحنة ما..بالاضافة الى شىء اخر اهم و هو انك غير راغب اساسا فى استغلال هذه الصفة فمن وجهة نظرك لن تحقق الكثير من الانتصارات باستغلالها بل عل العكس ربما تكون خسائرك اكثر من مكاسبك
الجانب الاكثر سوءا فى هذه الحيادية انك تجد نفسك احيانا فى مواقف صعبة او محرجة او لنقل غريبة او شاذة بعض الشىء فمن الممكن جدا ان تجد نفسك تتعامل مع ثلاثة او اربعة اشخاص بنفس الدرجة من الحميمية و هؤلاء الثلالثة او الاربعة لايقبلون بعضهم البعض على الاطلاق ..بل اذا اجتمع اثنان منهم تجد الابتسامة مرتسمة على شفاه كل منهما نفاقا و رياءا و عندما ينصرف احدهما يبدأ الاخر على الفور فى سبه و العكس صحيح و تكون الكوميديا السوداء بحق اذا تجمع هؤلاء الاشخاص الاربعة معك فى نفس المكان فى نفس الوقت..تجد الكل يرسم على شفاهه الابتسامات الزائفة و يطلق تعليقات تناقض ارائه الحقيقية لمجرد خطب ود الاخرين و مجاراتهم فى الحديث و الاسواء انه اذا ادار احدهم ظهره فيقوم الاخرين بالغمز و اللمز عليه واطلاق اشارات تعبر عن عدم احتمالهم له
فى هذه اللحظة تشعر بحق انك تشاهد فيلم سينمائيا او مسرحية يلعب ابطالها ادوارهم فيها بمنتهى البراعة و الاتقان و لكن مشكلتك انك تجلس فى منطقة ما بين الكواليس و خشبة المسرح حيث تختلط عليك الشخصيات المصطنعة بالشخصيات الحقيقية فأذا قام احدهم باطلاق تعليق او افيه تجد صعوبة فى اطلاق ضحكة مدوية فانت لا تعرف دورك بالضبط فلو انت احد اعضاء المسرحية فلن يصح ان تضحك و لو انت متفرج بين الجمهور من حقك ان تضحك
و المأساة الملهاة ان الحياة تتحول بمرور الوقت الى مسرحية مستمرة لا تريد الانتهاء..فاذا كانت مسلية فى البداية فهى بالتأكيد تصبح سخيفة بمرور الوقت و تصبح كل الاشياء زائفة و مزيفة و كل تعليق مصطنع و كل راى نفاق...فماذا يمكن ان افعله اذا كانت هذه المسرحية او الفيلم لا يريد الانتهاء
مواقع النشر (المفضلة)